* كتب - عبدالله الرفيدي:
استهل تقرير اقتصادي توقعاته لعام 2005م باستعراض للوضع الحالي للإيرادات السعودية، وهو العنصر الأساسي لهذه التوقعات، وجاء في التقرير على صعيد الإنتاج البترولي بلغ مستوى متوسط الإنتاج السعودي حتى نهاية شهر يوليو 2004م 8.9 ملايين برميل يومياً، بينما بلغ ذلك المتوسط خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة 9.5 ملايين برميل يوميا، وذلك مقابل متوسط إنتاج قدره 8.848 ملايين برميل يومياً لعام 2003م.. وتفترض كافة المؤشرات السوقية أن متوسط الإنتاج السعودي سوف يتجاوز 8.9 ملايين برميل يومياً للفترة المتبقية من عام 2004م.
وقد بقيت أسعار البترول فوق المستوى 28 دولاراً لبرميل الواحد منذ 2 ديسمبر 2003م، بينما تجاوز سعر بترول سلة أوبك 39 دولارا للبرميل الواحد في أوائل شهر أغسطس، مقابل متوسط 28.10 دولارا للبرميل الواحد لسعر سلة أوبك في عام 2003م و24.36 دولاراً للبرميل الواحد في عام 2002م، وحافظت أسعار الصادرات البترولية السعودية على مستوى أعلى من المستويات التي كانت عليها في عام 2003م.
وأوضح التقرير الصادر من الدائرة الاقتصادية بالبنك السعودي البريطاني أنه إذا ما واصلت أسواق البترول اتجاهاتها الحالية وحافظت المملكة على مستوى الإنتاج البالغ حوالي 9.5 بلايين برميل يومياً لبقية العام، فإن من الطبيعي توقع زيادة في حدود 16 - 18% في الإيرادات البترولية مما يرفع تلك الإيرادات إلى 290-295 بليون ريال، وبذلك يكون إجمالي الإيرادات الحكومية 335-340 بليون ريال سعودي في عام 2004م.
وبالطبع سيكون لهذا الوضع مضامين كبيرة على وضع الاقتصاد والميزانية.. وبأخذ ذلك بعين الاعتبار فإن توقعاتنا لعام 2004م ستكون كالتالي:
ارتفاع كبير ليس في الإيرادات الحكومية فحسب، بل في حجم المصروفات الحكومية بمعدل أكبر بكثير مما ورد في الميزانية مع تحقق فائض مالي جيد على خلفية الفائض الذي تحقق في السنة الماضية والذي بلغ 45 بليون ريال سعودي.. وتحقيق فائض جيد في الحساب الجاري يتجاوز الفائق المتحقق في عام 2003م.. وانخفاض في مستوى الاحتياجات الاقتراضية الحكومية بسبب تحقق الفائض المالي مما سيكون له مضامين على المديونيات الحكومية للبنوك التجارية. ويتضح ذلك بشكل جلي من آخر الأرقام المنشورة من قبل مؤسسة النقد حول مطالبات البنوك على القطاع العام. فبينما كانت هناك زيادة في التسليفات البنكية لشركات القطاع العام منذ شهر يناير 2004م من 25.5 بليون ريال سعودي إلى 26.5 بليون ريال سعودي حتى نهاية شهر يوليو 2004م، انخفضت ممتلكات البنوك من السندات الحكومية من 153.2 بليون ريال سعودي إلى 148.3 بليون ريال سعودي بنهاية شهر يوليو 2004م.. وإذا ما كان النصف الثاني من العام أكثر قوة لسوق البترول فإن من شأن ذلك خفض تلك السندات بنسبة أكبر حتى نهاية السنة.
وقد أشار أحد التصريحات الحكومية الصادرة في أوائل شهر سبتمبر إلى أن جزءا من فائض الميزانية سوف يستخدم في سداد الديون الحكومية والتي بلغت طبقا لوزارة المالية 660 بليون ريال سعودي.
إن الأوضاع التي تمر بها أسواق البترول في عام 2004م تقودنا إلى الحكم بأن التطورات هذه السنة كانت استثنائية.. إلا أن علينا الانتباه والحرص عند استخدام كلمة (استثنائية)، فالاقتصاد العالمي يزيد من الطلب على البترول مدفوعا بقوة الاقتصاد الصيني.. فقد نما الطلب على هذا الجانب من 5.5 ملايين برميل يوميا في عام 2003م إلى 6.5 ملايين برميل يوميا (متوقع) في عام 2005م. ولذلك فإن سوق البترول في النهاية يخضع حاليا لتحكم عامل (الطلب)، حيث ارتفعت توقعات حجم الطلب العالمي على البترول إلى 83 مليون برميل يوميا مقارنة بـ79.5 مليون برميل يوميا في عام 2003م.. ومن الجدير بالذكر أن نمو الصادرات البترولية لدول خارج منظمة أوبك لا يتواكب مع هذه الزيادة.. ولذلك فسوف يكون هناك المزيد من الضغوط على واردات أوبك والتي تملك إمكانية لزيادة إضافية ضئيلة فوق مستويات الإنتاج الحالية.. وبأخذ هذه المعطيات في الاعتبار، فإن عام 2004م قد لا يثبت أنه استثنائي للغاية.. وبما أن ارتفاع الأسعار إلى مستويات أعلى قد يحصل، وأن الزيادة في صادرات أوبك لن تكون فعلياً أعلى من المستويات الحالية بكثير، لذا، فإن من غير المحتمل أن يتعرض السوق لأي انهيار يذكر.. ولذلك فإننا نتوقع بقاء الإنتاج السعودي البترولي فوق مستوى 8.5 ملايين برميل يوميا في عام 2005م وهبوط أسعار البترول العالمية عن مستواها الحالي (أغسطس 2004م).. ولكن ذلك الهبوط في هذه المرحلة يتوقع أن يكون محدودا بحوالي 10% في الإيرادات البترولية الحكومية مما يؤدي إلى هبوط الإيرادات الحكومية الإجمالية إلى حوالي 310 بلايين ريال سعودي في عام 2005م.
وعلى ضوء اتجاهات الإيرادات البترولية أعلاه، فإن من المتوقع أن تحقق المملكة العربية السعودية سنة مالية أقوى بكثير من التوقعات الأصلية كما هو موضح بالجدول أدناه.
وعلى الرغم من أن الإيرادات البترولية قد تنخفض نسبياً في عام 2005م عن مستوياتها (العالية) حالياً، إلا أن من غير المحتمل أن تعيدنا ظروف السوق إلى الوضع الذي كان سائدا في عام 2003م على سبيل المثال.
ومع الأخذ في الاعتبار استمرار سيناريو سوق البترول المذكور أعلاه لغاية 2004م و2005م فإن المصروفات الحكومية السعودية ستشهد زيادة فوق المستويات الواردة في الميزانية.. فقد بلغت المصروفات الحكومية المستهدفة في الميزانية المالية 230 بليون ريال سعودي في عام 2004م.
وبعد السيناريو المذكور أعلاه فإن هذا الرقم مرشح للارتفاع قليلا إلى 260 بليون ريال سعودي على الأقل مع فائض مالي في حدود 80 بليون ريال سعودي، على الأقل أيضا.. وقد عبرت الحكومة السعودية عن رغبتها في صرف المزيد من الأموال على مشاريع البنية التحتية المشاريع الاستثمارية في مجالات الصحة والتعليم والإسكان وايضا برامج خفض الديون خلال فترة السنوات الخمس المقبلة، بحيث يمكن استخدام هذه الفوائض المالية لما فيه منفعة كافة المواطنين السعوديين.. وكان ولي العهد الأمير عبدالله قد خصص في أوائل شهر سبتمبر مبلغاً إضافياً وقدره 41 بليون ريال سعودي لمشاريع التنمية، وخص منها قطاعات المياه والمجاري والطرق والعناية الصحية الأولية والمباني المدرسية والتدريب المهني.
ومع الأخذ في الاعتبار بعض التراجع المتوقع في سوق البترول لعام 2005م وانخفاض الإيرادات الحكومية بنسبة 10% تقريباً، فإن توقعاتنا للمصروفات الحكومية لعام 2005م هي أن تبلغ 265 بليون ريال سعودي وهو ما يترك فائضاً مالياً جيداً وقدره 45 بليون ريال سعودي.
وحول أداء القطاع غير البترولي توقع التقرير أن ينمو القطاع الخاص غير البترولي بنسبة 5.2% خلال عام 2004م و5% كنمو اسمي في عام 2005م. ومع الخطط الحكومية الطموحة لتعزيز مخصصات الرعاية الاجتماعية خلال فترة السنوات الخمس المقبلة فإن من المتوقع حصول نوع من التسريع في أنشطة القطاع الحكومية وخاصة على ضوء الإيرادات البترولية الإضافية والفائض المالي المتحقق في الميزانية.. وبناء عليه فإننا نتوقع أن ينمو القطاع الحكومي لعام 2004م بنسبة 4.5% واسمياً بنسبة 4.2% لعام 2005م.
وحول التجارة وميزان المدفوعات قالت الدائرة الاقتصادية إنه ليس من المستغرب على ضوء قوة سوق البترول حتى هذا التاريخ في عام 2004م أن نتوقع حصول فائض قياسي في ميزان المدفوعات هذا العام.. ففي عام 2003م بلغ الفائض قبل النهائي 111.2 بليون ريال سعودي مقارنة بفائض وقدره 44.5 بليون ريال في سنة 2004م والتي كانت بحد ذاتها سنة استثنائية.. ومن المتوقع أن يتجاوز الفائض لهذا العام 130 بليون ريال سعودي.
وفي عام 2005م على ضوء التراجع الطفيف المحتمل في أسواق البترول فإننا نتوقع أن تتواصل قوة الفائض ولكن بمستوى أقل إلى حدود 115 بليون ريال سعودي.
وباستثناء فترة حرب الخليج (1980-1981)، لم تصل فوائض الحساب الجاري إلى هذه المستويات العالية.. فحتى عند ارتفاع أسعار البترول إلى أعلى المستويات في فترة السبعينات بقيت الفوائض في مستوى أقل من 100 بليون ريال سعودي في السنة.. وهذه الوقائع الجديدة تعني أن الضغوط على سعر صرف الريال السعودي لم تعد موجودة في السوق.
إلا أن الاتجاه الذي يتواصل كما كان سابقاً هو الارتفاع في مستوى الواردات والذي يأتي مترافقاً مع ارتفاع أسعار البترول فخلال الفترة من 1996م - 2004م بلغ متوسط النمو في الواردات المنظورة 2.1% في السنة فقط.. ومع حافز أسواق البترول في عام 2003م وزيادة المصروفات الحكومية، ارتفعت الواردات من 121 بليون ريال إلى 138 بليون ريال سعودي، أو ما يعادل نسبة 14.3%.. وخلال عام 2004م يتوقع المزيد من النمو في الواردات المنظورة إلى حد أن تتجاوز تلك الواردات مبلغ 150 بليون ريال سعودي هذا العام.. وقد تكون هناك عودة إلى نمو أكثر تواضعاً في عام 2004م مع توقع بلوغ الواردات المنظورة إلى حوالي 155 بليون ريال سعودي.
|