Thursday 25th November,200411746العددالخميس 13 ,شوال 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

هل حقاً انتهت الحرب على العراق؟ هل حقاً انتهت الحرب على العراق؟
فوزية ابو خالد

في خضم توالي الأحداث وفداحتها يكاد يتحول الرأي العام والفكر السياسي معاً إلى ملاحقتها بأنفاس متقطعة من فجائعها ومأسويتها بما يجعله ينغمس في التفاصيل فيسهو أحياناً من قسوة المشهد ويلتهي أحياناً أخرى من شدة العجز عن متابعة شريط الرعب عن التوقف لطرح الأسئلة المتعلقة بصلب الحدث ومسبابته والتي تعتبر هي في الأصل المسئولة عن النتائج المريعة لاتخاذ الأحداث تلك المسارات العبثية.
ويعبر الموقف العالمي والعربي على المستوى الفكري ومستوى الرأي العام من حالة الذبح البواح التي ارتكبها الجيش الأمريكي في الفلوجة من الثامن من نوفمبر وقد اقتربنا من آخره ولم تجف دماء تلك المدينة الفراتية الصغيرة بعد ولم تلم أشلاء القتلى من الشوارع والمساجد في المقابر الجماعية التي شرع في حفرها واستعادة أمجادها (الصدامية) ولم تستطع رائحة البارود والغازات السامة غسل الهواء من رائحة تقرح الموتى وجراح من بقي من المدنيين أحياء عن هذا الموقف الذي تأخذنا فيه إجرامية الحدث أو بالأحرى تشلنا عن المساءلة التي يمكن أن نصل فيها إلى موقف يخرج عن رؤية تلك الجريمة بالمنظار الجزئي الذي ينظر إليها كحدث منفرد إلى رؤيتها كعمل منهجي في سياق فعل الحرب التي لم تنته في يوم التاسع من أبريل بانهيار نظام البعث وحل الجيش العراقي وأجهزة الأمن كما خال العالم بما لم يخل من تبسيط مخل بتاريخ حروب الاحتلال.
ومع استمرار الحرب على العراق اليوم واشتداد ضراوتها يوماً عن يوم بعد مضي ما يشارف العام ونصف العام من إعلان الرئيس الأمريكي نهايتها من على حاملة الطائرات فإن العالم لم يعد بحاجة إلى دليل أن هذه الحرب لم تنته كما أعلن وأنها تدخل إلى نفق ما يمكن تسميته بالحرب المفتوحة.
وعلى خلفية ما جرى ويجري في العراق يمكن تحديد على الأقل ثلاث (كذبات) من الكذب الداكن الذي قامت عليه وبه هذه الحرب، كانت الكذبة الأولى كذبة التأكيد على حيازة العراق لأسلحة الدمار الشامل، حيث كان أحد الأهداف الرئيسية للحرب كما ادّعت الإدارة الأمريكية القضاء عليها. وكانت الكذبة الثانية التي اعتمدتها الإدارة الأمريكية في تسويق الحرب هي التأكيد بأنها ستكون حرباً سريعة وخاطفة بأقل الخسائر البشرية في الجانبين. أما الكذبة الثالثة فكانت في القول بأن هذه الحرب ستؤدي إلى إحقاق الأمن والحرية والكفاية لشعب العراق.
ولا بد أن أحداً لم ينس مسمى (الأمل) ذلك الاسم الرومانسي الذي أطلقه بوش على الحرب وصورته منتشياً في خطاب بدء الحرب وهو يخاطب الشعب العراقي قائلاً: نحن قادمون نحمل لكم الغذاء والأمن والحرية.
وحقيقة الأمر الذي يرمز إليه انكشاف هذه الكذبات مما يكاد ينطمر وسط تراكم الوتيرة الراكضة للأحداث هي أن الحرب الأمريكية على العراق من لحظة الشروع فيها وحتى قبل وقوعها تطرح عدداً غير محدود من الأسئلة في الجوانب القانونية والعسكرية والسياسية والأخلاقية لهذه الحرب.
ومن أبرز تلك الأسئلة سؤال شرعية هذه الحرب بحد ذاتها, سؤال هدفها أو أهدافها المعلنة والمبطنة, سؤال المدى الزمني لهذه الحرب، طبيعة ممارساتها العسكرية، على من تدور رحاها وبمن ولصالح من ولخسارات من, وسؤال أرضيتها الاجتماعية ومحيطها الإقليمي والدولي؟ وكخطوة إجرائية يمكن التوقف عند بعض تلك الأسئلة لمراجعة ما تكاد تحجبه سحب الحرب المستمرة على العراق لما يقارب العامين من أسسها الخارجة على منظومة الأخلاق وعلى قوانين الحرب والسلم وعلى الشرائع الإنسانية.
أولاً سؤال الشرعية, إن هذا السؤال حسب منطلقات حرب أمريكا على العراق وحسب المسار التصاعدي لعملياتها العسكرية لم يعد سؤالاً استفسارياً، كما لم يعد مجرد سؤال تشكيكي كما كان الأمر حين كان السجال حوله لا يزال دائراً في أروقة الأمم المتحدة قبل أن تخرج أمريكا على ذلك الإطار الدولي وتبادر إلى اتخاذ قرار الحرب بصورة استفرادية.
لقد أصبح هذا السؤال في حكم السؤال الاستجوابي الذي وإن لم يجرؤ أحد بعد أن يوجهه لأمريكا بما فيه قوى مجتمعها المدني ومؤسستها السياسية، فإن هذا لا يغيِّر من طبيعته ومن ضرورة الاستجواب والتحقيق فيه.
فانكشاف أمر تلك الكذبة كما أشرنا التي استخدمتها الإدارة الأمريكية كذريعة للحرب وهي (ادعاء حيازة العراق على أسلحة الدمار الشامل) تبرهن أن الحرب على العراق لم تقم أصلاً على أي أساس شرعي لا من حيث العثور على تلك الأسلحة المزعومة, ولا في علاقتها بعداء أمريكا للقاعدة و لا في علاقتها بما أسمته أمريكا حربها الاستباقية على الإرهاب.
فالعراق كما ثبت على أرض الواقع كان خالياً من أسلحة الدمار، وهو لم يكن يوماً على صلة أو وفاق مع القاعدة، كما أن حالته لم تكن لا قبل الحرب الأمريكية الأخيرة عليه ولا بعدها يمثل حالة الإرهاب الذي قامت أمريكا باختراعه ومطاردته مع نهاية الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي في أوربا الشرقية.
ثانياً سؤال الهدف من الحرب، وفي هذا كان (تحرير) الشعب العراقي من ديكتاتورية صدام وتأمين الغذاء والعلاج لأهله بعد حصار عقد من الزمان وإرساء مبادئ الحرية والديموقراطية وتمكينه من إقامة دولة موحَّدة ومستقلة على أساس من العدل بمعناه الاجتماعي والاقتصادي وبمعناه السياسي واحد من أبرز الأهداف الأمريكية المعلنة الذي حاولت به الإدارة الأمريكية أن تكسب بها تأييد شعبها والتأييد العالمي وتأييد عراقيي الخارج وخطب ود وطمأنة عراقيي الداخل للشروع في شن الحرب على بلدهم، هذا بينما الواقع المعاش للشعب العراقي اليوم يشكل تحدياً لمصداقية أمريكا وجديتها في العمل على إنجاز مثل هذا الهدف.
صحيح أن أمريكا قامت بإزاحة صدام مما رمز له ذلك المشهد الدرامي لإسقاط تمثاله في ساحة الفردوس ببغداد مما حرصت على عرضه أمام عيون العالم أجمع دون أن ينسى جندها تغطية الوجه الغارب بالعلم الأمريكي وإن كان ذلك للحظات فقد كان فعلاً رمزياً (للنصر الأمريكي) في حربها على العراق إلا أن كل ما استتبع ذلك المشهد لم يدل على أن أمريكا كانت تهدف إلى أبعد من إسقاط صدام ووضع يدها على آبار ومصافي البترول ليستبدل الشعب العراقي ديكتاتورية نظام البعث بالخضوع لنير الاحتلال.
ثالثا, سؤال المدى الزمني لهذه الحرب وطبيعة الممارسة العسكرية الأمريكية على أرض العراق، لقد سقط على أرض الواقع في العراق الوعد الأمريكي (بالحرب السريعة الخاطفة النظيفة). ولم يكن التعذيب الفاشي للعراقيين المعتقلين عشوائياً دون تهم محددة فيما صار يعرف بفضيحة سجن أبو غريب أول الشواهد على ذلك السقوط، كما لن يكون آخرها على ما يبدو قتل الجندي الأمريكي لجريح عراقي من جرحى مساجد الفلوجة في تلك اللقطة السينمائية التي يقول فيها جندي أمريكي لزميله عن حالة أحد الجرحى: (إنه يدّعي أنه ميت) فيطلق الجندي الآخر الرصاص على الجريح ويرديه قتيلاً قائلاً بشكل ساخر: (إنه ميت الآن). فهل يمكن لعاقل أن يصدق أن هذه الحرب المفتوحة بغير رحمة على الشعب العراقي وبدون جدول زمني يشي بقرب نهايتها يمكن أن يكون لها آخر على أيدي من أشعلوها عن سابق عمد وإصرار. إن ما يلوح في الأفق هو أن تحقيق الأمان والديموقراطية للشعب العراقي أبعد ما يكون عن أجندة جنرالات البنتاجون, هذا في الوقت الذي لم تعد تخفى فيه المخاوف من الانقسامات الداخلية وتفتيت العراق إذا لم يقد الوضع الأمني المتردي والتنافر السياسي المتفاقم بين قواه المختلفة إلى حرب أهلية لا سمح الله.إن أمريكا قامت بتوسيع دائرة الحرب على العراق وإذكاء أوارها في الفلوجة والرمادي وسواهما من المدن العراقية بدعوى تهيئة المناخ للانتخابات، في الوقت الذي دعت فيه للقاء شرم الشيخ في محاولة لإيجاد غطاء سياسي ومالي إقليمياً ودولياً لاستمرار احتلاها للعراق.
فهل يمكن نزع فتيل هذه الحرب وإيقاف استمرارها وتقليل مخاطر انتقالها إلى مواقع أخرى دون إبطال الأسس اللا شرعية واللا أخلاقية واللا قانونية التي قامت عليها؟
إن طرح مثل هذه الأسئلة الجارحة لا يأتي من باب التيئيس أو جلد الذات ولكنه اجتهاد بسيط لكيلا يشغلنا تلاحق وقسوة اندلاع الأحداث عن مصدر الحريق وعن الحق في المساءلة، وعن الأخذ بالأسباب، فليس صحيحاً أن راحة اليأس أرحم من قلق الأمل وتفزز الأحلام. هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved