بعد عشر سنوات قل عشرين ترى ما هي الأساطير التي سوف نسمعها عن الأسهم؟.. مع نهاية سنوات الطفرة انتشرت حكايات أظن أن كثيراً من الناس كانوا في حاجتها.. من إحدى القصص أن فقيراً دخل على مجموعة من العقاريين وسمعهم يحرجون على قطعة أرض: بعشرين فقال الآخر بواحد وعشرين فقال الثالث باربعة وعشرين فبادر هذا الفقير وقال خمسة وعشرين لم يستطع أحد أن يزايد عليه، فرست عليه البيعة وسجلت باسمه وبعد قليل جاءه من يطلبها منه بثلاثين فوافق الفقير وباعها وتبين له بعد ذلك أن الجماعة يتحدثون بالملايين وليس بآلاف كما كان يظن أي انه اشترى الأرض بخمسة وعشرين مليون وباعها بثلاثين بسبب سوء فهم بسيط كسب خمسة ملايين عداً ونقداً.
طبعاً لم تكن هذه القصة وغيرها من القصص تقص بهذه السرعة وبهذه الطريقة، كانت تقال بطريقة بارعة كل من سمعها يقصها بطريقته.. في كثير من الأحيان تتحول إلى أغنية يرددها الجميع بروح مفعمة بالخيال والتمني. ولا أشك أبداً أن كل من يستمع إلى هذه القصة أو غيرها من القصص التي كانت تردد أيام الطفرة عن حكايات الثراء السريع والمفاجئ كان يتماهى مع هذا الفقير ويحلم أن صباح الغد سوف يكون دوره في الثراء.
رغم كثرة هذه القصص لم أعرف حتى هذه اللحظة رجلاً تحول من الفقر إلى الثراء بضربة حظ بل لم أعرف أن رجلاً تحول من الفقر إلى الغناء بضربة حظ أو بضربة عمل.. عندما أراجع ما جرى تلك الأيام ألاحظ أن الملايين التي كسبها تجار العقار في تلك الأيام نشأت من هذه الأحلام التي كانت تداعب هؤلاء الفقراء.. كان تجار العقار يعلنون عن فتح باب المساهمة في الأرض الكائنة في المكان الفلاني والعائدة علينا بالصك الفلاني، ويرفقون هذا الإعلان بالإشاعات والأحلام الوردية فيتقاطر الفقراء ومتوسطو الحال من كل فج فقير، ويسلمون رواتبهم ومدخراتهم لهؤلاء التجار.. ولا يكاد يغلق باب المساهمة في هذه الأرض حتى يفتح باب آخر على أرض أخرى فيقوم الفقراء بعصر مدخراتهم الأخرى يسلمونها مرة أخرى.. هذا يعلن وهذا يدفع وهذا يبلع.. انتهت تلك الأيام بما ترونه: الأغنياء ازدادوا غناء والفقراء لاكوا الأحلام حتى فقدت بريقها ووهجها فنسوها من المرجح أن أحلام الثراء تريد أن تعود لكنها هذه المرة يتنازعها أمران: إما الحلم عبر الأسهم أو العودة إلى أحلام العقار.. كلاهما مطروح الآن في السوق. أصبح أمام هذا الجيل خياران لا خياراً واحداً لإعطاء مدخراتهم للتجار.
يذكرني هذان الخياران بكاركاتير مصري يصور وضع الناس بعد أن أنقطع الزيت والسمن من السوق، يقف الجرسون أمام الزبون ويسأله: عايز فول بلا زيت أو عايز فول بلا سمن.. فتجار اليوم يقولون للحالمين: تريد أن نشفطك عبر الأسهم أم نشفطك عبر العقار.. طبعاً لن تمر عملية الشفط هذه بلا إشاعات وأحلام وردية لأنها هي الوقود لإثراء التجار وتنشيط أريحية الفقراء ومحدودي الدخل.. تقول إرهاصات الأحلام إن هناك سيولة ضخمة تنتظر من يشطفها مجرد أمن رأس مال بسيط لتدخل في المسابقة، فمن فاته الاثراء أيام الطفرة فلا يلوم إلا نفسه إذا فاته الثراء في الأسهم.. ترى المسألة ليست مسابقة ولا تحتاج إلى ذكاء، إنها أقرب إلى الهدة، فلوس منثرة في السوق تحتاج إلى من يطمن ويلقطها.
أحاول أن أتخيل تلك القصص التي سوف تنتهي بها فورة الأسهم كما انتهت فورة العقار في السنين الخوالي.. أعتقد أنها سوف تكون أجمل وأبرع لأنها ستبني على حسابات ومناورات، وسوف توظف فيها التكنولوجيا.. فإذا كانت حكايات الطفرة العقارية بنيت على خيال تدرب على حكايات الجن والعفاريت وألف ليلة وليلة فإن حكايات طفرة الأسهم سوف توظف التكنولوجيا لتنتسب بكل جدارة إلى الخيال العلمي، رغم أن النتيجة سوف تكون واحدة التجار سوف يمضون في تجارتهم والفقراء ستكفيهم كومة من الأساطير والأحلام ليستلقون بجانب زوجاتهم سعداء مطمئنين على مستقبل أبنائهم.
فاكس 4702164
|