(1)
* لم يبالغ (مايكل مور) - وهو المؤلِّف والسيناريست والمنتج والمخرج وصاحب كتاب (رجالٌ بيضٌ أغبياء) وفيلم (11-9 فهرنهايت) حين قال - عقب فوز جورج بوش الابن بولاية ثانية -: إن أميركا بلد يَعيش دون زعامة..!
* بنى قوله على عدم إيمانه بكفاءة الرئيس، ويبنيه سواه على عدم ارتباط الرئاسة بشخص توهب له كل الصلاحيات، ويحتوي كل التوجهات، فيقول مطاعاً.. ويعمل مؤيداً.. ويتصرف وفق ما يملي عليه رأيه أو هواه..!
* ويخلط كثيرون حين يتوجهون بالانتقاد لشخص الرئيس الأميركي الذي أسهبوا في وصف جهله وغفلته وأخطائه، فالنظام المؤسسي لا يقاد - كما في عالمنا الثالث - بفرد تنقلب الدنيا عقب وفاته أو اختفائه، حتى ليظلَ المستقبل رهناً بزعيم.. أو وقفاً على زعامة..!
* ولا يزال فينا من لا يكفيه تصنيم الأحياء، بل يستدعي الأموات.. فلو كان أحدهم أو بعضهم موجوداً لما وصلنا - حسب تصوراتهم - إلى هذا المستوى المتهاوي..!
* توطئة مهمة كي لا نُحَمِّلَ رئيساً أميركياً أعباءنا المتزايدة بعدما أصبحت الهزيمة تقود إلى هزائم والتخاذل ينتهي بتنازلات..!
* أوجاعنا ليست رهناً بوجود عيادة لعلاجها.. بل - قبل ذلك - برغبتنا واستعدادنا الحقيقي الصادق للعلاج..! وأول الرغبة وأهم الاستعدادات أن نعرف أن كل أمة مسؤولة عن نفسها.. تنهض إذا شاءت، وتسقط إذا شاءت, و{.. إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ...}..!
(2)
* قبل أكثر من عامين (أيلول 2002م) قال (الدكتور جاك.م. بالكين أستاذ القانون بجامعة ييل): (إن العالم يواجه رجلاً فرداً مدججاً بأسلحة الدمار الشامل ويتصرف بسلوك عدواني معربد، سيغرق العالم بالدم ويؤدي به إلى فوضى مطلقة، هذا الرجل الفظ المهووس بالقتل والقتال هو حقاً أخطر شخص على وجه الأرض.. والمشكلة أن اسم هذا الرجل هو جورج بوش وأنه رئيسنا)..!
(مجلة المستقبل العربي- العدد 297 - تشرين الثاني - 2003 - ص8).
* ربما صلح هذا الكلام سمة لآخرين يتشابهون في المنطلقات فهكذا هم طغاة التاريخ من لدن فرعون حتى شارون، ولو سألتهم، ولو استشرت مؤيديهم لقرروا أنهم عادلون يدافعون عن قيم الحق والفضيلة والحرية..!
* وفي زمن التسلط والتخبط يندفع الحوار إلى (الشخوص) و(الجزئيات) مهملاً (المواقف) و(الاستراتيجيات).. وهنا مكمن السقوط..!
* ويبقى السؤال: هل لو جاء غير بوش سيصلح الحال..؟ وهل لو حكم (الحمائم) في أميركا أو إسرائيل أو كلتيهما سننعم بالسلام..؟ وهل النصر والهزيمة إحساس أو عمل؟ أو: أهما صناعة ذاتية أم منتج خارجي..؟
(3)
* ما قاله (بالكين) عن رئيسه حق، لكن (البيت الأبيض) ليس رهناً بنزوة فردية، كما أن بيوتنا العربية السوداء لم تتشوَّه بسبب دخانه وناره فنحن مسؤولون قبله ومساءلون بعده، ولن يجرؤ مثله على دول أخرى تمتلك من (الإرادة) ما لا نمتلك، ولديها من (الكرامة) ما ليس عندنا، فهذان عتادا كل أمة تحاول الخروج من نفق التخلُّف، و(الانتفاضةُ) و(الفلوجة) مثلان كافيان لشرح نظرية الإرادة والكرامة وتحويلها إلى أبجديات لصوغ مشروع النهضة يقوده طفل فلسطيني وأعزل عراقي وليقل من شاء : إنه (الإرهاب) فلن يتجاوز بعض ما قاله محلِّل متخصص بشأن (سيد العالم)..!
* يضاف إلى هذا ما رآه المفكر الأميركي (نعوم تشومسكي) من أن القيادة السياسية الأميركية تعمل على زرع الخوف، ولا يهمها - بعد ذلك - حصد الكره، وربما أدركنا أسباب سقوط مشروعات التحرر والاستقلال التي ناضلت من أجلها الأمم ليئدها راعي البقر الذي بنى إمبراطوريته على جماجم المسحوقين من سكان أميركا الأصليين..!
* وربما جاءت أبلغ صورة عن هذه المفارقة أو المقاربة فيما أشار إليه (منير العكش) عبر مقاله (خلفيات رسالة الهندي الأحمر إلى شعب العراق) وضم نصائح الزعيم الهندي الأحمر (جورج واسون) التي وجهها إلى شعب العراق في نيسان 2003 وهي نصائح ساخرة تتحدث عن مشكلات اللغة والجنسية والدين والرعاية الصحية والاجتماعية والاقتصادية في ظل حكم المستعمرين الجدد مثلما فعل أسلافهم حين أبادوا آلاف الهنود الحمر في رحلة الدموع trail of tears وحرَّم على الباقين استخدام لغاتهم وممارسة شعائرهم والمحافظة على هوياتهم ونسيجهم الاجتماعي..!
(المستقبل العربي - العدد 297 - ص 54 - 59).
(4)
* كان من رأي (انطون سعادة) (1904 - 1949م) أن من لم يكونوا أحراراً في أمة حرة فحرياتُ الأمم عارٌ عليهم, وإذا قُرن رأيه بتوقيت قوله فإن الحراك التحرري الذي بلغ صداه في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي قد ابتدأت نهايته في الفترة ذاتها حين انتصرت (عصابة يهود) وأقامت استيطانها وسعت - بدعم من خدمِها ومُستعبَديها - لإطفاء جذوة كان يمكن لها أن تشتعل لولا المصالح السلطوية الخاصة التي حرفت النضال ثم أحرقته..!
* ليس سوى العاجزين من ينتظرون نسائم تهب عبر البوابات الشرقية والغربية، فالعواصف والأعاصير هي ما تصدره القيم الإمبريالية التوسعية، والتاريخ شاهد لا يكذب ولا يتجمل..!
* إن أميركا قد جعلتنا محرقة لحربيها (النوويتين) فيما أسمتْه (تحرير الكويت) ثم (تحرير العراق).. والله أعلم ماذا ستحرر في حربها الثالثة، وهي ذاتها من تدعم استيطان الصهاينة في أرض الأمة، وهي التي نرث منها القمع والدمع.. أفيظلُّ فينا من يُؤمن بها أو يَأمن لها..!
* ليس هذا فحسب.. بل إن مياه (أفغانستان) الجوفية ملوثة بالأسلحة النووية, وأعلى نسبة يورانيوم في العالم مسجلة لدى الأفغان، ويكفي ما أشارت إليه الصحفية الأميركية (آمي ورثنغتون) نقلاً عن أحد أنصار الحرب على العراق وهو يحمل لافتة كتب عليها (اقصفوا بالسلاح النووي هذه الحثالة الشيطانية)..!
* سوف تتكشَّف الحقائق عن فواجع سيمتد تأثيرُها أجيالاً.. لكننا لن نلوم أميركا.. فهي وزعامتها معنية بمصالحها الاستراتيجية العليا، ولا مانع في سبيلها من أن تدوس على هاماتنا قبل أرجلنا.. لنبقى نحن فقط من يستطيع اتخاذ قرار بالحياة أو الموت..!
(5)
* في مسرحية (الأم الشجاعة) التي كتبها الأديب الألماني (بريخت) عن حرب الثلاثين عاماً التي وقعت في أوربا بين عامي 1618 - 1648م بسبب الخلاف الديني بين الكاثوليك والبروتستانت.. كانت الأم رمزاً للانتهازية، رغم أنها تحب أبناءها الثلاثة وتقتحم خطوط المواجهة لبيع الخبز للجنود مُمارسةً الجنونَ والجشعَ والغباءَ ليموت أولادها وتسير في النهاية وحيدة محطمة..!
* اهتمت بنفسها فخسرتها.. لأنها افتقرت مع الشجاعة إلى الوعي.. وأخطأت حساباتها حين عدت الحرب وسيلتها للارتزاق فقد كسبت مؤقتاً ثم اضطرت إلى دفع الثمن باهظاً..!
* اليوم صورة الأمس.. إذ تأتي القوة الأعظم لتحرق أبناءها مثلما تحرق من تراهم أعداءها، فمن يود أن يحيا على الأشلاء ويرتوي من الدماء فسوف يناله كِفْلٌ مما صنع.. والجنود الأميركيون والبريطانيون الذين أرسلوا إلى الخليج - كما يقول تقرير أميركي نشر في المستقبل العربي (العدد نفسه) - هم موتى يسيرون على قدمين بسبب سموم الجزيئات الإشعاعية التي يكفي واحد منها لتدمير نظام المناعة وتعطيل الكلى..!
* ليس هذا بالحديث المرجَّم، فلتعربد أميركا ما شاءت فقد اختارت.. ليبقى اختيارنا نحن رهناً بإيقاظ الإرادة وإشعال الكرامة..!
* الكرامةُ ليستْ بياناً..!
|