بقلم: عثمان الصالح
هذه البلاد (المملكة العربية السعودية) هي منطلق الرسالات ومنبع النبوات ومنها علت رايات انتصرت في شتى المجالات وراية الرايات هي ولا شك مبعث محمد صلى الله عليه وسلم الذي جاهد في الله حق جهاده وانتصر على الشرك والأباطيل انتصارا أسعد البشرية ورفع مستواها من الجهل إلى نور العلم والمعرفة وهذه المعرفة وهذا العلم في كتاب الله وسنة رسوله في معجزة كبرى هي كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه معجزة طأطأ لها البلغاء رؤوسهم وآمنوا بها والبلغاء في الجاهلية والإسلام إليهم انتهى البيان، وهذا الكتاب المعجز الذي شرف الله به محمدا النبي الأمي (القرآن) به يعتز المسلمون في شتى ديار المسلمين وكان من المحافظة عليه والعناية به أننا نرى متاحف في كل بلد انغرس بها الإسلام ورسخت جذوره وسعد بها أناسه كتركيا ومصر وغيرهما..
ولقد زرت هذه البلاد ولمست ما في متاحفها من المصاحف التي تحكي تطور خط المصحف وتطور عناية المسلمين بكتابته وخطه فوددت - ونحن منطلق الرسالة وقطب الإسلام - أن يكون لدينا عناية بهذه المعجزة في متاحف يؤمها الناس لأن ما في تلك المتاحف المشار إليها من مصاحف ما هي إلا صادرة من هذه البلاد المقدسة نابعة من معينها الصافي ومواردها العذبة ولا يكفي أن نقرأه ونحفظه ولا أن يكون مصدره منا وعنا ولكن الأجدر والأولى أن يكون متحفه عندنا وتسلسل كتابته منا وشاء الله أن تقر لنا عين وتبتهج لنا نفس فهذه (مكتبة المصحف الشريف) تحققت في المدينة المنورة وقد انتظمت على الرغم من صغرها في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وهذه المكتبة منسقة ومبوبة تحمل في مقدمة المكتبة آية مقدسة هي: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ولهذه المكتبة قصة تحكي القرون الإسلامية منذ البعثة إلى اليوم في نظام بديع وتنسيق جميل صورها كتاب جميل دبجته براعة الأديب الفاضل السيد (حبيب محمود) أحد رجال المدينة المنورة وأعيانها وأبرز الساعين في تحقيق هذه المأثرة في عهدنا الفيصلي الزاهر.. وكان لي شرف التجول في هذه المكتبة مع السيد حسن كتبي وزير الحج والأوقاف فشاهدنا متحفا أنيقا لا أعتقد أن مثله موجود في أي بلد إسلامي إذ ضم روائع ذات أثر محسوس وبالغ في تاريخ الإسلام والمسلمين النابع من هذه المعجزة الإلهية الخالدة في هذا المصحف الشريف الذي هو معجزة الأولين والآخرين.
وهذه المكتبة العاطرة والنفحة النادرة في مدينة الرسول ألخصها في البيانات التالية:
- تقع في الناحية الغربية من المسجد النبوي، وتطل على خوخة سيدنا أبي بكر الصديق (رضي الله عنه).
- تعتبر جزءا من المسجد النبوي الذي كان المدرسة الأولى في الإسلام، والذي صدر إلى العالم كله مبادئ الإسلام وتعاليمه ورسالته الخالدة.
- تضم المكتبة بين دفتيها روائع من المصاحف ذات النماذج والأشكال والخطوط المختلفة. ومنها المستطيل والمربع والمحلى بالذهب. ومنها المكتوب في مجلدين، وسبع مجلدات. ومنها ما يصغر عن حجم الكف. ومنها ما هو مكتوب في ثلاثين ورقة.
- تحتوي المكتبة على مصاحف تاريخية لا تقدر بثمن.
- أقدم المصاحف الموجودة بالمكتبة (تاريخيا) المصحف المنسوب للدولة العباسية، وعدد أوراقه 441 ورقة وأسطر كل صحيفة 14 سطرا مقاسه 27*29 وهو مخطوط بالنسخ. ومكتوب في أوله العبارة الآتية:
(هذا المصحف الكريم مما حوته خزانة سيدي المولى أمير المؤمنين المهدي لدين الله رب العالمين. أبي عبدالله العباس بن أمير المؤمنين المنصور بالله الحسن بن أمير المؤمنين حفظه الله بما حفظ به الذكر المبين. وختم بالصالحات أعماله آمين).
ومكتوب في آخره العبارة الآتية:
(حرر هذا المصحف الكريم برسم مولانا أمير المؤمنين المتوكل على الله إسماعيل بن أمير المؤمنين القاسم بن محمد أعلى الله شأنه وخلد في طاعته سلطانه وضاعف في صحائف الأعمال حسناته) وكتبه محمد إسماعيل الطاهري السوادي اليماني.
- وهناك مصحف كتبه محمد حسين الكازروني سنة 515هـ وآخر مكتوب في عام 549هـ.
كما يوجد مصحف آخر يبدأ من سورة الفاتحة، وينتهي بأول سورة فصلت. وقد حرص الكاتب رحمه الله أن يكتب لفظ الجلالة في جميع الصفحات بالذهب. وكذا أسماء السور والفواصل وهذا المصحف وقفه السلطان قايتباي رحمه الله، عام 889هـ.
- ومن النوادر بالمكتبة مصحف بحجم كبير نادر الوجود مقاسه 142.5سم*80سم مكتوب على ورق سميك في عام 1240هـ، ووزنه (154) كيلو غراما.
- وتضم المكتبة مجموعة كبيرة من المصاحف الخطية الشريفة تعتبر ثروة فنية وتاريخية رائعة لا تقدر بثمن. وقد كتبت على أوراق. وجلد الغزال. وبنماذج مختلفة وبأشكال وأحجام متفاوتة، وبخطوط في منتهى الجمال والروعة مع الالتزام المستمر باستعمال الذهب والحليات والزخارف المختلفة لتبقى تلك النماذج الرائعة تراثا إسلاميا خالدا أوقفها أصحابها بالمسجد النبوي الشريف حيث نزل القرآن ودرسه الصحابة رضوان الله عليهم وعملوا بما جاء به.
- ويبلغ مجموع هذه المصاحف (1774) مصحفا شريفا.
- كما توجد بالمكتبة ربعات قرآنية عددها (84) ربعة.
- وتعطي هذه المصاحف الشريفة والربعات صورة كاملة عن تطور الكتابة المصحفية في مختلف العصور.
فمنها المخطوط بالخط الكوفي، والعثماني، والمزخرفة بالذهب وبالألوان الزاهية. وحرص بعض كتابها على كتابة لفظ الجلالة بالذهب. وكلها في غاية الإبداع والإخراج.
- ولا يتصور المرء جمال هذه المصاحف وجمال خطها والعناية بها إلا من شاهدها لأن الوصف لا يعطي الحقيقة وفي هذه المكتبة لوحات يصل عددها إلى ثمان وثمانين لوحة منها خمس لوحات بخط بعض السلاطين العظماء من آل عثمان وثلاث منها بخط السلطان محمود بن عبدالحميد خان واثنتان بخط السلطان عبدالمجيد بن محمود خان.
وفي المكتبة دواليب في غاية من الجمال والروعة تشكل ثلاث مجموعات وهي مهداة للمسجد النبوي عام 1328هـ ومطعمة بالعظم والصدف ومحلات بنقوش الفضة الخالصة والحقيقة أن هذه الدواليب تعتبر تحفة فنية ولا ريب أنها من النفائس في بلادنا.. ويزين المكتبة حزام من حزام الكعبة المشرفة صنع في مكة المكرمة به آيات من القرآن الكريم وعليه اسم صاحب الجلالة ورائد التضامن الإسلامي الذي يرعى الشؤون الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها الملك فيصل حفظه الله وتختتم النشرة بكلمة لطيفة ونوايا طيبة في توسيع المكتبة لمعالي الأستاذ السيد حسن كتبي وانني وقد نقلت فذلكة عن هذه المكتبة أجدني أرى أنها لا تصف ما رأيت وما شاهدته فيها ولكنها جديرة بالاهتمام حرية بأن يضم إليها ما يعثر عليه من المصاحف في أرجاء المملكة وما ينقل من المصاحف من خارج البلاد وما يتعلق بالقرآن وكتب التفسير والحديث لتكن حرية بضم شتات ما تفرق من آثارنا وخاصة كل مخطوطاتنا الإسلامية والعربية والمبعثرة في مكاتب ومكتبات أوروبا وأمريكا وآسيا ولو مصورة تحكي الأصل وتصف الواقع ونحن ومن الجهد في حالة مادية ممتازة تمكن الفرد من إيجاد مكتبة عامرة بالعلم والمعرفة آهلة بكل ما لذ وطاب من كل ما دونه سلفنا الصالح.
وأخيرا هذه نواة في هذه المكتبة أثنى عليها شيخ الأزهر ورجال كبار زاروها وننتظر لها فروعا في سائر مملكتنا الإسلامية التي منها انطلاق الدعوة وهي الينبوع الصافي وهي المأرز للإسلام وفيها المقدسات والرجال الحماة البررة.. والله ولي التوفيق.
|