لا أذكر بأنني جلست لمدة تتجاوز الثلاث دقائق أمام أي من الطفح الدرامي الذي تحاصرنا به الشاشات الفضائية، ولا سيما في شهر رمضان، لعلي أجدها ملهاة شعبية تؤنس ربات المنازل والسيدات الكبيرات وتستعيض بها الذائقة الشعبية عن الحياة الاجتماعية التي شحت وتقلصت مؤخراً.
ولكن ظرفاً ما أقعدني أمام حلقة من حلقات إحدى التمثيليات الخليجية في شهر رمضان لمدة ساعة كاملة، ساعة كاملة من الزعيق وأبواب تغلق وتفتح، وأثاث فاخر بلا ذوق، وسلالم رخامية، ونساء بماكياج كثيف و(جلابيات) خليجية فاخرة، وسيارات فخمة تمخر الشاشة أمامنا ذهاباً وإياباً، ولقطات ( close up) مع موسيقى هادرة وفاقعة، وحشد وافر من الأحداث والمصائب الفاقعة، ففي حلقة واحدة، دخل الزوج إلى المستشفى بعد أن تعرض لضرب مبرح من أهل الزوجة، ومن ثم أجهضت الزوجة، ودخلت المستشفى، وكادت زوجة الأب أن تتعرض للفضيحة إثر علاقة سابقة، وأخ يرفع (السوط) في وجه الجميع، والعم يحاول أن يبتاع الكل بدراهمه... وضجيج وصراخ ونحيب...
أنا أعلم بأن شريحة سيدات المنزل هن شريحة كبيرة في المجتمع، وهن شريحة مستهلكة بالإمكان حشد كم وافر من الدعايات في الدراما المخصصة لهن، بل على المستوى العالمي، هناك نوع من الدراما والتمثيليات يبث صباحاً ويسمى (soap operas ) نظراً لكونها محتشدة بدعايات الصابون كونها موجهة لربات المنزل.
ولكن الدراما الخليجية السابقة تقدم على كونها قمة ما وصلت له الدراما على ما أعتقد ومن ثم يفاجأ المتابع بهذا الهزل، والركاكة وضعف السياق المصاحب للدراما التي تقترب من الدراما الهندية الفاقعة بأحداثها وألوانها وانفصالها عن الواقع واقترابها من التهريج، كنت أتوقع أن الدراما الخليجية قد استفادت من تجارب الدول المجاورة.. وحاولت أن تتجاوز الثغرات في التجارب (المصرية والسورية) السابقة لتبدأ من حيث انتهى الآخرون ولا سيما، أن هناك رؤوس أموال في المنطقة من الممكن أن تستثمر إذا كان العمل ناجحاً ومدروساً، بحيث توفر الدعم بغرض الوصول إلى الشكل المتميز والمتفوق على ما سبقه، ولكن مع الأسف بإمكانكم أن تتابعوا كماً وافراً من الخيبة، أنا أعلم بأن ساعة من المتابعة قد لا تعطي الصورة كاملة، ولكن كما يقولون هي شريحة تدل وتوحي وتشير، لنجد أن الدراما الخليجية ليست سوى دراما فاقعة مهلهلة السياق والأحداث، دراما (بنكهة البرياني).
|