في مثل هذا اليوم من عام 1262 تم إحياء الخلافة العباسية في مصر بعد أن سقطت في أيدي المغول.
فقد رُوّع المسلمون بسقوط بغداد حاضرة الخلافة العباسية في 6 من فبراير 1258 في أيدي المغول الوثنيين بقيادة هولاكو، بعد أن قتلوا الخليفة المستعصم بالله العباسي هو وأهله، واستباحوا المدينة التليدة، فقتلوا السواد الأعظم من أهلها الذين قُدروا بنحو مليون قتيل، وأضرموا النيران في المدينة، وهدموا المساجد والقصور، وخربوا المكتبات وأتلفوا ما بها من كتب إما بإحراقها وإما برميها في (دجلة)، وأصبحت المدينة بعد أن كانت درة الدنيا، وزهرة عواصم العالم، أثرًا بعد عين.
وشعر المسلمون بعد مقتل الخليفة المستعصم، وسقوط الخلافة العباسية التي ظلت تحكم معظم أنحاء العالم الإسلامي خمسة قرون بأن العالم على وشك الانتهاء، وأن الساعة آتية قريبا، وذلك لهول المصيبة التي وقعت بهم، وإحساسهم بأنهم أصبحوا بدون خليفة، وهو أمر لم يعتادوه منذ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وصاروا يؤولون كل ظاهرة على أنها تعبير عن سخط الله وغضبه، واتخذوها دليلاً على ما سيحل بالعالم، من سوء لخلوه من خليفة.
وتداعت الأحداث سريعًا، وتعذر إحياء الخلافة العباسية مرة أخرى في بغداد التي أصبحت قاعدة للمغول الوثنيين، ثم اجتاحت جحافلهم الشام، فسقطت حلب بعد مقاومة عنيفة، واستسلمت دمشق، فدخلها المغول دون مقاومة، ولم يوقف زحفهم المدمر سوى انتصار المسلمين في معركة عين جالوت في 3 سبتمبر 1260
وكان من نتائج هذا النصر المجيد أن أصبح أمر إعادة الخلافة العباسية ممكنًا، فما إن علم السلطان قطز بطل معركة عين جالوت، حين قدم دمشق بوجود أمير عباسي يدعى (أبا العباس أحمد) حتى استدعاه، وأمر بإرساله إلى مصر، تمهيدًا لإعادته إلى بغداد، وإحياء الخلافة العباسية.
ولما تولى بيبرس الحكم بعد مقتل قطز أرسل في طلب الأمير أبي العباس أحمد، الذي كان قد بايعه قطز في دمشق، لكنه لم يحضر، وسبقه إلى القاهرة أمير آخر من أبناء البيت العباسي اسمه (أبو القاسم أحمد) واستعد السلطان الظاهر بيبرس لاستقباله فخرج للقائه ومعه كبار رجال الدولة والأعيان والعلماء، ولما وقع نظر السلطان على هذا الأمير العباسي ترجل عن فرسه إجلالا له، وعانقه، وركب معه يتبعهما الجيش حتى وصلا إلى القلعة، وهناك بالغ السلطان في إكرامه والتأدب معه، فلم يجلس على مرتبة ولا فوق كرسي بحضرة هذا الأمير العباسي.
وفي يوم الاثنين 19 من يونيو 1260 عقد السلطان مجلسا بالديوان الكبير بالقلعة حضره القضاة والعلماء والأمراء، وشيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام، وكبار رجال الدولة، وفي هذا المجلس شهد العرب الذين قدموا مع الأمير العباسي بصحة نسبه، وأقر هذه الشهادة قاضي القضاة تاج الدين ابن بنت الأعز وحكم بصحة نسبه وبايعه بالخلافة، ثم قام بعد ذلك الظاهر بيبرس وبايعه على العمل بكتاب الله وسنة رسوله، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله، وأخذ الأموال بحقها، وصرفها في مستحقتها، ثم قام الحاضرون بمبايعة الخليفة الذي تلقب باسم الخليفة المستنصر بالله.
|