قرأتُ ما كتبه الأخ محمد راكد العنزي في عدد الجزيرة 11740 وتاريخ 7 شوال 1425هـ الذي كان عن قضية ضرب المرأة، فأقول: أنا شخصياً أعتبر أن المرأة هي المسؤولة الأولى عن تلك الإهانات والضرب المبرح الذي تتعرض له من قِبَل الرجل، ومن ثَمَّ تأتي بقية الأسباب الأخرى التي تزيد الطين بلة. وقد تكون تلك الأسباب خارجة عن إرادة المرأة، وقد لا تكون، فأحياناً تكون المرأة مجبرة على قبول ذلك الواقع المؤلم الذي تعيشه، أو أن تعيش في واقع مؤلم آخر، وهو واقع الأسرة والمجتمع والهوان والإهمال من قِبَل الجميع، خصوصاً إذا أصبحت موسومة بلقب مطلقة. إذن هي بين نارين: نار زوج شرس الطباع، ونار مجتمع وأسرة لا ترحم ولا تعترف بأسباب طلاق المرأة. ومن هنا أعتقد أن المرأة رضيت أن تأخذ بأهون الشرَّيْن، وهو الرضا بالعيش مع ذلك الرجل السيئ الطباع والمعشر، فناره أخفُّ بكثير من نار النظرات الدونية والتهكم والسخرية من قِبَل الجميع، وظل رجل ولا ظل حائط كما تقول. أيضاً هناك المكاسب الثانوية الإيجابية التي تجدها المرأة في بيت زوجها مهما كانت حياتها سيئة، فهذه المكاسب تجعل المرأة تصبر على تلك الحياة؛ لأنها إن فارقتها فلن تجد حتى تلك المكاسب الثانوية، فهي إذن تضحي بأشياء في سبيل الفوز بأشياء أخرى، فما لا يدرك كله على الأقل يدرك جزء منه. الجميل أيضاً أن هناك بعض النساء خرجن إلى الدنيا وهي ترى أن والدها يضرب أمها بشكل مستمر، وأيضاً مما تسمعه من حكايات بأن بعض قريباتها وصديقاتها يضربن ولا ينبسن ببنت شفة، وتعود الحياة طبيعية بينهما وكأن شيئاً لم يكن. ومن هذا المنطلق ربما استمرأت المراة ذلك الأمر وأصبح مألوفاً لديها، خصوصاً أن عقلية بعض الرجال ربما اعتبرت ضرب المرأة نوعاً من الموروث الشعبي.
أيضاً يلعب الخوف من الطلاق لدى المرأة وكذلك الأطفال والخوف من الابتعاد عنهم أو تحمل مسؤولية تربيتهم بمفردها ورفض أهلها لها ولأطفالها بحجة أنهم أبناء الآخر دوراً كبيراً في صبر المرأة على طباع زوجها المشينة. أيضاً بعض النساء متأكدة تماماً أنها لو جاءت إلى أهلها ودمها يسيل وبجراح بالغة أن أسرتها ستعيدها بأسرع وقت ممكن إلى بيت زوجها، فهم بحسب تعبيرهم لا يريدون فضائح، وليس لديهم بنات تطُلَّق. وكل ذلك عرفته المرأة من خلال خبرات سابقة مرت بها. كذلك قد يكون المسؤول عن الفصل في المشكلة بين الزوجين سبباً في صبر المرأة على حياة الجحيم التي تعيشها في بيتها، خصوصاً إذا ما علمنا أن الفصل في مثل هذه القضايا قد يستمر أشهراً بل سنوات، وقد تخرج المرأة بعد كل هذا خالية الوفاض ولم تستفد شيئاً، وكل تلك المدة كانت تعيش في ظروف نفسية سيئة، فلا هي مطلقة ولا متزوجة ولا نفقة ولا أولاد ولا معاملة حسنة، كل تلك الأمور قد تعيدها صاغرة إلى بيت زوجها.
أيضاً موروثنا الشعبي الذي يقول: إن المرأة هي التي يجب أن تصبر وتتحمل وتضحي، ويجب أن تحافظ على زوجها، بل وتعقله وتقوِّم حاله، وإن استطاعت أن تربيه من جديد، وهيهات. هي ترضى بواقعها المؤلم وتعيش حياتها حتى لو كانت رخيصة، فالعمر فانٍ. أيضاً المرأة متقلبة المزاج، فمرة تريد زوجها، ومرات لا تريده، فإن رضيت عنه فهو المنعم المتفضل، وإن لم تَرْضَ لدقيقة فهو أسوأ رجل في العالم مهما فعل، أحياناً تشتكيه وهي تريده ولا تستغني عنه، فتخرج أسرار بيتها أمام الملأ ولكل من هبَّ ودبَّ، وإذا ما أراد الآخرون الوقوف معها في شكواها وأخْذ حقها فإنها تخذلهم جميعاً ويفاجؤون بها وقد غيرت كل شيء وذهبت مع زوجها وتركتهم وقوفاً مشدوهين.
وهذا الأمر قد يجعلهم في المرات القادمة لا يقفون معها، ولا يعيرون مشاكلها أي اهتمام، ما دامت ستجعلهم يريقون ماء وجوههم دون فائدة. وما قضية المذيعة المعروفة ببعيد التي هي صورة حقيقية لواقع الكثير من نسائنا للأسف، وتعرفون ماذا أقصد. فإنسانة ضربت حتى شارفت على الموت، ثم اعتبرت وكأن شيئاً لم يكن، ماذا تسمون هذا؟! صورة مع التحية لنساء مجتمعي الحبيب.
عبد الرحمن عقيل حمود المساوي -إخصائي اجتماعي
الرياض 11768 ص.ب 155546 |