من ملامح ثقافتنا الوطنية، أنها منفتحة على الآخر، أي البعد العربي.. منذ تكونت. وهذا التكوين مرده عدة روافد، أُلمح إليها عبر السطور التالية:
1- المدرسون العرب.. الذين جاؤوا إلينا في وقت مبكر، فاختلطوا بالمجتمع، وقرؤوا أدبه، واختلطوا بأدباء البلاد.. في كل بلد حلُّوا فيه. وهم حين يعودون إلى بلادهم.. يحملون معهم تأثراتهم بالشرائح الأدبية التي اختلطوا بها.. من طبقة المثقفين، ومن المدرسين المواطنين زملائهم. وهم قد قرؤوا صحف البلاد وألموا بما ينشر فيها من ثقافة ومعرفة، ترتبط بالوطن، أي بلادنا.
2- والنموذج الثاني الأدباء الكبار.. الذين يزورون المملكة العربية السعودية، وخاصة إقليم الحجاز. في وقت مبكر، قبل حلول النهضة التعليمية التي انطلقت قبل نحو خمسة عقود، فقد زار الحرمين الكبار من أدباء مصر وتونس والجزائر، حجاجا ومعتمرين.. وزيارات رسمية، لعل في مقدمتهم الأستاذ الكبير عباس محمود العقاد، والدكتور محمد حسين هيكل، الذي ألف كتابين، أحدهما: حياة محمد،- صلى الله عليه وسلم-.. والآخر في منزل الوحي. والأستاذ إبراهيم عبدالقادر المازني، وقد ألف كتيّبا أسماه: (رحلة الحجاز). ومن تونس الدكتور الفاضل ابن عاشور، وقد حاضر في مدرسة الثغر النموذجية بجدة، وكذلك العالم الجليل محمد البشير الابراهيم وابن باديس، اللذان أقاما بعض الوقت في المدينة المنورة. وخلال نهضة البلاد.. بعد تدفق البترول، كان المثقفون يتوافدون على الوطن، منهم مدرسو مدرسة تحضير البعثات، في مكة المكرمة.. في زمن مبكر؛ ثم لما نشأت جامعة الملك سعود بالرياض، والجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وكلية الشريعة في مكة، والمعهد العلمي فيها، وكلية الشريعة في الرياض، ودار التوحيد بالطائف، كل هذه المجامع العلمية، غشيها معلمون مثقفون، اختلطوا بالمجتمع حين عاشوا فيه، وعايشوا أدبه ومعارفه.
والدكتور هيكل.. كتب مقدمة ضافية لكتاب (وحي الصحراء) الذي كتبته كوكبة من شبان مكة المكرمة.. عام 1355 للهجرة. وذلك كان يوم زار البلاد، ومكث فيها بعض الوقت.
* وقد أُعجب الرجل بحماسة وتطلعات تلك الطلعة.. في بداية النهضة، كما أُعجب بذلك الإنتاج الأدبي.. الذي أعجبه، فتحمس وكتب له مقدمة، تُثني على جهود أولئك النفر من الكاتبين والشعراء، وأعلن الدكتور هيكل أن إنتاج أولئك الشبان، يهدف إلى الإصلاح، وأن للبيئة أثرها فيه، فجاء واضحا في شعرهم ونثرهم.
وأن أكثر النثر مرماه الإصلاح الاجتماعي، فقال:(وقلما يتصل الإصلاح بالبيئة.. إلا إذا أُريد الالتجاء إلى التحليل ومعرفة آثار هذه البيئة؛ في نفسية الشعب؛ وترتيب الإصلاح على ما يتصل بهذه النفسية، وهذا ما لم نصل نحن في بلاد الشرق العربي، فنحن ما نزال عند الأمور العامة من الإصلاح، ولا نزال ننقل عن الغرب، ما أبدع من نظم، دون التعمق في بحث هذه النظم، من حيث ملاءمتها لبيئتنا الطبيعية. أما الشعر الحجازي فينم عن هذه البيئة التي أنبتت الشعراء الأقدمين). إن كلام الدكتور محمد حسين هيكل يؤكد ملامح أدبنا التي تنبع من البيئة التي صدر عنها، فهو صورة لها وانعكاس لهذه الحياة في بلادنا، جاء على ألسنة الشعراء والكتّاب. وغيُرنا في الشرق، يتكئ على الغرب في نظمه، ويعمل بها، بشهادة الدكتور هيكل نفسه، أما بلادنا فلها ثوابتها السماوية، وهي أبقى وأعدل وأثبت وأعمق وأدق وأجل.
(* )هذه الكلمة ألقيت في نادي حائل الأدبي |