هذه عبارة كانت تَرِدُ على لسان أبي عبد الرحمن الدكتور إبراهيم بن عبد الرحمن الدريس كلما سمع عن وفاة أحد أو تغير أحوال ، وها هي ذي ترنّ في أذني يوم أن انتقل أبو عبد الرحمن إلى رحمة الله عز وجل .. فقد فُجعنا في أواخر شهر رمضان المبارك بوفاة مفاجئة للصديق العزيز والزميل الدكتور إبراهيم بن عبد الرحمن الدريس ، كما فجع به أصحابه وزملاؤه في وزارة التربية والتعليم فلا حول ولا قوة إلا بالله ، { إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }.التقيت بأبي عبد الرحمن - رحمه الله - في أمريكا يوم سكنا معا في مسكن لطلاب الدراسات العليا في جامعة إنديانا ، وكنا عزابا آنذاك ثم كوَّنا أسراً ، ومكثنا أعواما نتشاطر الفرحات من خلال المركز الإسلامي ومن خلال النشاط الاجتماعي للجالية الطلابية المسلمة في الجامعة ، وقد انعقدت أواصر الصداقة والمحبة بين مجموعة من الأحبة من بلدان عديدة جمعتهم الغربة والجامعة والمسجد وسوف أتحدث عما لا يعلمه إلا القليل عن أبي عبد الرحمن.
كان أبو عبد الرحمن - رفع الله منزلته في الجنة - قد أسهم في التعريف بالإسلام ودياره ودعوة غير المسلمين من خلال جلسات أسبوعية في المركز ، وكان يقوم على هذا النشاط ثلة من الكرام منهم أبو عبد الرحمن وصديقه الزميل الدكتور محمد الصايغ.
وكان البرنامج مفتوحا لكل أحد بعد ظهر يوم الأحد ، وفيه يعرض المتحدث لقضية ثم يفتح المجال للتعليق والسؤال ، وهو نشاط مهم لأنه درَّب مجموعة من الأخوة على تقديم الإسلام لغير المسلمين وعوَّدهم طريقة المناقشة في القضايا الحساسة مع الآخرين ، وقد نفع الله بهذا النشاط أيضاً مجموعة من الناس هداهم الله إلى الدين العظيم.
وكان أبو عبد الرحمن شاعرا ينظم القصائد في زمن الغربة في المناسبات الإسلامية ، وقد نظم شعرا رائقاً في تلك المناسبات يوم كنا نقيم حفلنا في المركز الإسلامي إبان عيد الفطر أو الأضحى ، وقد علمت منه أنه قل أن يؤلف شعراً بعد تلك العهود.
وكان أبو عبد الرحمن شديد الرقة ، كانت الكلمات القليلة من الوعظ تؤثر فيه ، وكان يقف أحيانا متأملا في بعض الآيات وقفات تدل على شفافية دينية وخشوع ، ويعرف زملاؤه هذا الورع منه عليه الرحمات من رب العالمين ومع هذا كان حاضر البديهة سريع النكتة خفيف الظل ، فإذا حضر مجلسا استأثر به في قصصه الجميلة وسخريته وتعليقاته التي قل ان تغضب أحداً.
وكان أبو عبد الرحمن إذا اتجه إلى أمر استأثر باهتمامه ، أذكر أنه اهتم في فترة من الزمن في أمريكا بالحُمية وقرأ الكثير عنها وصار يحدثنا عن السعرات الحرارية فيما بين أيدينا من أطعمة ، وقد حاول تطبيقها وتحمس لذلك بعض الوقت ثم انصرف عنها.
ولقد حزنا في إنديانا لمغادرته ومغادرة الدكتور مانع الجهني - عليهما رحمة الله - وعودتهما إلى أرض الوطن لما تركاه من فراغ ، كل واحد منهما في مجاله وها نحن نفارقهما فراقا أبديا في هذه الدنيا ، سائلين الله الكريم من فضله أن يجمعنا بهم في جنات النعيم ، وأن يجزل لهما المثوبة ، وأن يرفع درجاتهما في الجنة ، وأن ينزل على أهلهما ومحبيهما الصبر والسلوان ، وأن يبارك في أعمالهما وذرياتهما.اللهم كما سعدت قلوب بمجالس أبي عبد الرحمن ، حيث رسم الابتسامات على محيا أصحابها ، اللهم فأسعده في مقامه ، واجعل قبره روضة من روضات الجنة ، واعف عنه وأكرم نزله ، واملأ قبره عليه نورا وحبورا.. آمين.
* الأمين العام للندوة العالمية للشباب الإسلامي |