Monday 22nd November,200411743العددالأثنين 10 ,شوال 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "محليــات"

دفق قلم دفق قلم
ثلاث وثلاث
عبدالرحمن صالح العشماوي

ما أروعهنَّ، وما أحوجنا إليهنَّ، وما أجمل ظاهرهنَّ وباطنهنَّ. إنهن ثلاث وثلاث، فيهنَّ من الجمال والبهاء ما جعلهنَّ جديراتٍ بحبنا وتقديرنا، وإقبالنا عليهنَّ إقبال من يبحث عن الأجمل والأحسن، ومن يتجافى بنفسه عن الأقبح والأشْيَنْ.
ثلاث وثلاث يفرشن أمامنا بسطاً نقية جميلة من الحب والوئام، والهدوء والاستقرار والسلام، وينشرن فوقنا غصوناً وارفة تمد ظلالها علينا فتمنعنا من حرارة الشمس وشدة أشعتها حينما تكشر ظهيرة الصيف عن أنيابها، ويفتحن أمامنا أبواباً فسيحة ندخل منها إلى بساتين الاطمئنان والتآلف وصفاء القلوب.
هذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه يدلنا على حسناواتٍ جميلات تثلج معاشرتهن الصدور وتسعد القلوب.
يقول أبو الحسن والحسين نضر الله وجهه الكريم:
ترك الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه من ثلاث، وترك الناس من ثلاث.
أما الثلاث التي ترك نفسه منها فهي (المراء، والإكثار، وما لا يعنيه). وأما الثلاث التي ترك الناسَ منها فهي (لا يذمُّ أحداً ولا يعيبه، ولا يطلب عورة أحد، ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه).
يا لهنَّ من حسناوات يملأن النفوس بهجة وصفاء، كأني بهنَّ يمشين مشية جميلة بين أزاهير الخلق الحسن، والأدب الرفيع، وحب الخير للناس أجمعين.
(ترك المراء) وهو الجدل العقيم الذي يوغر الصدور، ويشحن القلوب بالبغضاء، و(ترك الإكثار) وهو الإفراط والمبالغة والغلو وتجاوز الحد، ولربما نتساءل هنا: الإكثار من ماذا؟، لأن علي بن أبي طالب قد أطلق هذه الكلمة دون تحديد. فنقول: إنَّ في إطلاقها بلاغةً وبياناً، لأنه يجعل معناها مفتوحاً لكل إكثارٍ يقع فيه الإنسان، فالإكثار من الدنيا وزخارفها مرض، والإكثار من الطعام مرض، والإكثار من اللهو والمجون مرض.. وهكذا يمكن أن تمضي بنا معاني (الإكثار) حتى تؤلف لنا كتابا مستقلا.
و(تركُ ما لا يعنيه) وهذه - والله - صفة عظيمة قل في الناس من يلتزم بها، فهي التي أوردت المجتمعات البشرية موارد الخلاف والصراع وسوء التعامل، فلو أن كل واحدٍ منا ترك ما لا يعنيه من الفعل أو القول لعاش الناس في راحةٍ وهدوء.
ثم ماذا بعد هذه الثلاث؟
ثلاث أخرى: (لا يذم أحداً ولا يعيبه) وهل يشك أحد منا في عظمة هذه الصفة؟ لو أن أحدنا جرب مع نفسه فالتزم يوماً كاملاً بعدم ذم أحد أو عيبه لأدرك جمال هذه الصفة وحسنها، (ولا يطلب عورته) أي لا يتابع أخطاءه ويتتبع عثراته ليعلنها في الناس، (ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه) هنا يكون الكلام بميزان لأن صاحبه يؤمن بقول ربه: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}.. يا لهن من حسناوات يشرحن الصدور!
إشارة:


عيب الفتى أن الحياة تزيده
عبراً فيبقى لاهياً مغرورا


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved