بين يديَّ مجموعة من الكتب تجمَّعت من مصادر مختلفة (فرح) أصحابها بتأليفها، فذهبوا ينشرونها لمن يتوسَّمون أن يقرأوها ويكتبوا عنها، فتزيد شهرتهم، ومن جهة أخرى يثبت لهم حقَّ إضافتهم إلى زمرة (المؤلِّفين) هذه الزَّمرة التي تمنح الضَّوء الأخضر للعبور من بوابات (الإبداع)، (الفكر)، (الأدب)، (الشُّهرة) حتى إذا ما تحقَّق لهم ذلك انتفخت أوداجهم، وتطاولت أعناقهم، وزهت نفوسهم، ولمعت جباههم، وأصبح لأسمائهم حقَّ التَّجاوز، والعبور، والتَّصدُّر،.. فإن عبَرت بهم مناسبة لم يُدعوا إليها سخطوا لتجاوزهم، وغضبوا ممَّن تجاهلهم..، يحسبون أنَّ لهم الحقَّ في كلِّ (خدمة)، واستثناء، وحضور، وظهور، وهم أقرب إلى زمر الطَّبَّالين، ومن أثرى مع الطَّفرة من محدثي النِّعم، وهم على حدِّ سواء مع ذلك الذي وقف في ساحة تغطيها الشَّمس، وينيرها القمر، ويؤمُّها من الأطفال من يقهقه، ويصرخ، ويتشبَّث، ويتسلَّق، ويصفِّق، ويطلق الأسماء عليه والصِّفات، ويلبسه من الأزياء الصَّقيلة واللاَّمعة حتى إذا فرغت السَّاحة من ضجيج الصِّغار، وعبثهم، ونظِّفت من بقاياهم وصخبهم، أصرَّ على أنَّه فيها السَّيد الذي نصَّبه الأطفال ثغر السَّاحة ورفعوه فوق أكتافهم فلا يرغب في النِّزول، ويتشبَّث بالثَّغر..
هذا هو حال كثيرين ممَّن يحسبون أنَّهم وهم (يفكُّون) الحرف ويعبثون بالقلم، ويحسنون زخرفة الورق، قد دخلوا من بوابة (الإبداع) الكبرى، وغدا لهم حقُّ الظُّهور والنُّشور..، وأصبح ملكاً لهم صدر المكان وطواعية الزَّمان..
ولو أوتيتُ من الأمر ما إنَّ به أستطيع أن أُسمع آذانهم قولاً لسألتهم التَّريث، والاطمئنان، والتُّؤدة، والمراجعة، والتَّفكَّر، والمعاودة، والبذل، والاجتهاد، والحذر والحرص، وتقليب المضمون على أوجه الإمكان، والجدِّيَّة والإضافة، والتَّواضع ومعرفة القدر الشَّخصي، والمقارنة في صالح ما يؤلِّفون، ولسألتهم الاستفادة من الآخر، وعرض ما يصنِّفون على ذوي الخبرات، والسَّابقين الأولين، والمضيفين المجدِّدين، والمتمكِّنين من الموهوبين أو ممَّن هم يضربون في المجال بما يُظهر الحال، ويدعو أن تتجَّه لهم الرِّحال..!!
وضعت هذه الكتب عن يميني، بعد أن مُتّعت بجمال أشكالها ورونق ألوانها، وجاذبية إخراجها، وبذخ طباعتها..
بينما كان عن شمالي، فراغ، وحسرة، وتأمُّل وفكرة وحال كتبهم يقول لي: إلى أين المصير؟!...
|