يقول الخبر إن أمين مدينة الرياض الأمير الدكتور عبدالعزيز آل مقرن تعهد بتنظيم فعاليات أسبوعية للكبار والصغار وجميع الأسر اعتباراً من غرة شهر محرم .. وأكد أن التصريح بمثابة وعد من الأمانة لسكان الرياض وأبنائها من المواطنين والمقيمين ولفناني المسرح وعشاقه ورواده بتقديم فعاليات ثقافية واجتماعية وترفيهية... الخ.
كتبت مقالي يوم أمس الأول قبل صدور هذا التعهد الجميل من أمين مدينتنا المميزة، هذا في الواقع ما كنت أنتظره فلم يكن موضوعي يوم أمس الأول سوى تعقيب، فالمتابع لحركة التطور في مدينة الرياض يعرف أن هناك مشاريع عظيمة كثيرة تنتظر التنفيذ، فإذا كنا ككتاب نفكر بصوت مسموع فالقائمون على المدينة والمتحملون للمسؤولية فيها وعلى رأسهم سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز يفكرون بصمت واضعين نصب أعينهم كل الاعتبارات .. كلنا نعرف أن الرياض مدينة تستحق أن تكون في طليعة المدن كلها، الرياض مدينة مكتملة (تقريباً) كل ما نريده هو إزالة كلمة (تقريباً) من تلك العبارة، مشكلتي مع الرياض هي لندن، لم أطمح في يوم من الأيام أن تكون الرياض أفضل من القاهرة أو بيروت أو دمشق أو حتى كوالالمبور، والدليل أن طموحي كان واقعياً إننا تجاوزنا هذه المدن دون أن نراها في مضمار السباق بسبب السرعة التي تتطور بها مدينتنا .. في السبعينات الميلادية أقحمت الرياض في مقارنة غير عادلة مع مدينة لندن، تشكل في رأسي أن الرياض يجب أن تنافس لندن، لندن هي معياري وإن طال السفر. كانت أحلامي كبيرة في السبعينات لكنها كادت أن تضمر وتتلاشى في الثمانينات والتسعينات إلا أنها عادت لتنتعش بقوة في أيامنا هذه، الرياض الآن تقف في مفترق طرق أو يمكن أن أقول إنها تريد أن تخرج من عنق الزجاجة. تجاوزت كل أقرانها من مدن العالم الثالث، أصبحت كل مدن العالم الثالث التي تقارن بها خلفها بمسافة كبيرة، فالمسافة بين الرياض وبيروت (مثلا) اصبحت أطول من المسافة بين الرياض ولندن .. أن نلحق بلندن أقرب وأسهل لنا من أن نرجع إلى بيروت أو أي مدينة من مدن العالم الثالث، الخطورة أن المسافة المتبقية بين الرياض ولندن لم تعد مادية، المسافة الآن ثقافية وإنسانية.
لكل مدينة في العالم حراكها الثقافي الذي تتميز به ويجعلها نسيجا وحدها، مع التطابق الكبير في الأوعية والأشكال التي تحتوي الحراك الثقافي. من البديهي ان تشتمل المدن على مكتبات وحدائق ومقاهٍ ومسارح وصالات سينماء ومتاحف .. الخ، مع الأخذ في الاعتبار ان محتويات هذه الأوعية الثقافية الإنسانية تختلف من مدينة إلى أخرى. ولكي تقوم ثقافة المدينة وتتشكل يفترض أن تتوفر هذه الأوعية .. الرياض مع الأسف تعاني من نقص كبير في هذه الأوعية مما أخر بروز ثقافتها الخاص بها وجعل المادي فيها يسبق الثقافي.
حسب القاعدة التي تقول إذا وجد فراغ لا بد أن يأتي أحد يملأه، أدى غياب الأوعية الثقافية الحضارية إلى نشوء أوعية ثقافية مشوهة كبديل. استغلت هذه الأوعية المشوهة للإخلال بالقيم الإسلامية العظيمة ولاستدراج الشباب لما نعاني منه الآن، فبدلاً من ثقافة المسارح تشكل لدينا ثقافة الاستراحات وبدلاً من ثقافة السينماء والفنون البصرية تشكلت لدينا ثقافة المراكز الصيفية، وبدلا من المتاحف العلمية والفنية تشكلت ثقافة المطويات وصراخ الكاسيتات .. فالحمل خارج الرحم يسبب النزيف، ها هي دماؤنا الزكية تنزف في الشوارع.لا أشك أبداً أن تصريح سمو الأمير أمين مدينة الرياض تصريح مدروس بعناية، لأن كل الدلائل تشير إلى أن الرياض تتحرك نحو قدرها لتصبح مدينة الحضارة الإسلامية المشرقة.
فاكس 4702164
|