سوق العمل السعودي يعد من أشد الأسواق العمالية في العالم تعقيداً، وعملية إعادة هيكلته تتطب تضافر جهود عديدة، ومن خلال تعاون وطني شامل، كي نصل إلى تحقيق النجاح ولو بدرجة جيد جداً، والأسباب التي جعلت منه فاقدا العديد من الأنظمة التي رسمت له، وكذا التنظيمات التي من المفترض أن تساعد على سيره وفق آلية مرنة أو سهلة العطاء على الأقل، هي متعددة وشائكة، فنلاحظ أنه كان في الحقبة الماضية تعدد في الأدوار، وتنوع في الأنشطة والممارسات من خلال أعمال التوظيف، خصوصاً تجاه الوافد منها، وحتى بعد أن بدأت المناداة الجادة لإحلال العمالة الوطنية محل الوافدة، أصبح لدينا العديد من الجهات الحكومية التي تختص بتطبيق آليات سعودة الوظائف، ولهذا كان النجاح ضئيلا، والمعضلات عديدة، الذي منها على وجه الخصوص التداخل في التخصصات والاختصاصات، وهذا بلا شك توجه مرده إضعاف تام سواء على المستوى التنظيمي أو الرقابي، لأنه ليس بمقدور كل جهة حكومية أن تتقن أنظمة العمل والعمال، كما حددها النظام، ولا حتى آليات تطبيقها على أرض الواقع، لذلك كنا نلحظ أن كل جهة إما أنها تعمل باستقلالية ودون أدنى تنسيق، أو أنها تؤدي نشاطا قد يختلف عن نشاط الجهة الأخرى، أو بطريقة لا يمكن تحقيق النجاح معها، وفي كلتا الحالتين كنا نصل إلى طرق مسدودة وغير فاعلة، أما وقد تم فصل العمل عن الشؤون الاجتماعية، وضم جهات أخرى تحت مظلة وزارة العمل، كمثل مجلس القوى العاملة وصندوق تنمية الموارد البشرية، إضافة إلى إبقاء رئاسة مجلس التأمينات الاجتماعية والتعليم الفني والتدريب المهني، كما هي عليه برئاسة وزير العمل، فقد أعطى هذا التوجه انطباعاً لدى المراقبين المختصين بتفاؤل لا يمنع أن يكون تفاؤلا حذرا، لأن المسؤولية جسيمة من ناحية، ولأن هناك من الشؤون الأخرى ذات العلاقة بقضايا العمل والعمال وقوى العمل عامة في البلاد تحتاج إلى تفعيل أو ضم آخر لأعمال ومهام وزارة العمل من ناحية أخرى، كما أن عملية تطوير سوق العمل أو إعادة هيكلته لن تتحقق جراء الضغط على سياسة الاستقدام، مع الحد أو الإيقاف من نقل الخدمات العمالية، فهناك عوامل تشكل في أي بلد في العالم هاجسا كبيرا، وهي العمالة المتخلفة والمخالفة، وكذا الأخذ منها صفة المهاجرة، وهذه الفئات هي غالباً ما تكون الفئة الوحيدة المتسببة في زيادة نمو أعداد الوافدين، وهي الوحيدة التي يعاني منها سوق العمل بسبب أن غالبيتها لا تعمل، وهي الوحيدة التي تتحكم في رفع سعر أجر العامل اليومي، وهي الوحيدة التي تنقل على كاهل الوطن من الناحية التنموية، لأن في بقائها إلحاق الضرر الاجتماعي والاقتصادي تجاه البلد الذي تعيش فيه، كما أنها أحياناً تتسبب في الضغط على البنية التحتية للبلاد، وفي أحايين أخرى تكون سبباً في فشل العلاقة التعاقدية بين صاحب العمل والوافد المستجد، فهذه الفئة من الوافدين هي الانطلاقة الرئيسية التي يفترض التحرك حيالها، وبهذا لابد من السعي تجاه البعض منها لتسوية وضعه القانوني وترحيل من هو مخالف لذلك أو لم تعد الحاجة إليه قائمة، سواء لكبر سنه أو لعدم حاجة البلاد إلى خدماته بأي صورة كانت، وهذه الفئة بلا شك أنها تمثل نسبة كبيرة في بلادنا، ولابد من إيجاد آليات سريعة للخلاص منها، إنها دعوة للشروع بالتفكير في إيجاد آليات تنهي أو تحد على الأقل من هذا الزحف العمالي المتنامي غير المجد، ولا أعتقد أن الطرق التقليدية سوف تقضي على هذه الظاهرة، كمثل تعقبهم بواسطة إدارات الجوازات، بل من الواجب انتهاج أساليب ادارية وفنية متعددة، ربما يتمثل في ذلك عدم تجديد إقامة من أوقف نشاطه من أصحاب العمل، ولم يسع إلى ترحيل العمالة الذين لا يعملون لديه، وهذه الحالة تشكل نسبة كبيرة في البلاد، والمطالبة برحيل من أتى تحت كفالة فردية، وهو يحمل مسمى مهنة ذات طابع فني أو إداري في الوقت الذي لا يملك من كفله منشأة أو أية أنشطة تجارية، إلى العديد من الأساليب التي سوف تسهم في الخلاص ممن لا منفعة منه أو يقيم بطرق غير نظامية.
الباحث في شؤون الموارد البشرية
|