Monday 22nd November,200411743العددالأثنين 10 ,شوال 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

الجامعات وإجراءات التعاقد العقيمة الجامعات وإجراءات التعاقد العقيمة
د. عبدالرحمن بن سليمان الطريري(*)

يمثل التعاقد مع أعضاء هيئة التدريس في الجامعات مصدراً من مصادر توفير أعضاء هيئة تدريس مؤهلين للعمل في الجامعات، يضاف لمصدر التأهيل الأساسي المتمثل في تعيين المعيدين والابتعاث أو الاستقطاب للكفاءات الوطنية ذات التأهيل العالي، والتي تعمل في جهات أخرى ولديها خبرات في التدريس. وتضطر الجامعات للتعاقد إما لعدم توافر الكفاءة الوطنية في التخصص المطلوب أو بغرض استقطاب المتميزين ذوي الخبرة والبحوث والمؤلفات القادرين على التدريس في برامج الدراسات العليا من ماجستير ودكتوراه.
ونظراً لتوافر معلومات لا بأس بها لدى كاتب هذه السطور حول الموضوع نتيجة التعامل مع هذا الشأن لسنوات عديدة، وبما أن الأمر تعترضه الكثير من الإجراءات والعقبات سنةً بعد أخرى، ولا تجد هذه الإجراءات من يتصدى لها ويفكر في حلها، بل إنها أصبحت تترسخ وتتجذر حتى أصبحت جزءاً من التفكير الإداري لمن بيدهم تنفيذ الإجراءات ولا يرغبون في التخلي عنها أو ربما يعجزون عن ذلك، وحيث إن تنفيذ هذه الإجراءات يستغرق وقتا لا يمكن تصوره رغم أن الاجراءات بسيطة ولا تحتمل كل هذا الوقت، ولحتمية الأضرار المترتبة على هذا الوضع، لذا يستوجب الأمر مناقشته ومعرفة أسبابه واقتراح حلول له.
ومن أجل اتضاح الصورة للقارئ العزيز حول الموضوع، يلزم الإشارة إلى أن الترشيح للتعاقد يبدأ من القسم المعني والذي يرغب التعاقد مع عضو هيئة التدريس.. ومن ضمن الإجراءات إرفاق الأوراق الخاصة بالمتعاقد من صور لشهاداته وسيرته الذاتية وخبراته، بالإضافة إلى العقد المبدئي الذي وقع معه. كما أن الإجراءات تتطلب تحديد الوظيفة التي سيتعين عليها؛ إذ قد تكون جديدة أو وظيفة شاغرة. هذه الأوراق والمعلومات تُرفق لإدارة شؤون أعضاء هيئة التدريس والموظفين أو للجهة المعنية حسب التسمية المعتمدة في الجامعة. الإدارة المعنية تقوم بمراجعة الأوراق والتأكد من توافر الوظيفة المحددة مع إعداد خطاب باسم معالي مدير الجامعة إلى معالي وزير التعليم العالي، والذي بدوره يخاطب معالي وزير العمل، ليدخل الموضوع في سلسلة من التحويلات داخل وزارة العمل، ثم ينتهي الأمر بمكتب العمل والذي بدوره يزود الجامعة بالتأشيرة، والجامعة بدورها تقوم بإبلاغ الملحق الثقافي السعودي في الدولة التي يوجد فيها المتعاقد، ليبدأ المتعاقد بعد ذلك سلسلة من الإجراءات داخل بلده من فحص طبي واستخراج لموافقة جامعته على التعاقد ومن ثم استخراج التأشيرات له ولعائلته.
إجراءات التعاقد هذه تستغرق ما بين أربعين إلى ستين يوما.. أي ما بين ستة أسابيع إلى ثمانية أسابيع. وحتى لا يكون الحديث عن الموضوع عاماً لابد من إيراد بعض الحقائق، إذ تستغرق عملية مراجعة الأوراق في الجامعة، والتأكد من توافر الوظيفة وكتابة خطاب لمعالي وزير التعليم العالي ما لا يقل عن أسبوعين.. مع أن الأمر لا يتعدى يومين كحد أقصى مهما بلغت الحالات. أما وزارة التعليم العالي من مكتب الوزير لأمانة مجلس التعليم العالي فتتراوح الفترة ما بين أسبوع إلى أسبوعين. أما وزارة العمل بكافة مستوياتها فتتراوح ما بين أسبوعين إلى ما يقارب الشهر.. هذا مع المتابعة اليومية التليفونية والمباشرة داخل الجامعة ولدى وزارة التعليم العالي وفي وزارة العمل.
تُرى ما الذي يجعل موضوعاً مهماً يعتمد عليه سير الدراسة وانتظامها يأخذ هذا الوقت الطويل، ويستنزف الجهد ويشتت الفكر الذي يفترض أن يوجه لأمور أخرى لا تقل أهمية عن هذا الموضوع وتحتاج لمزيد من التركيز؟!.
تأملت في الموضوع، فوجدت أن الأسباب متعددة.. وأول هذه الأسباب الكامنة وراء تأخير وتعطيل الأمر يتمثل في البيروقراطية البرتوكولية؛ إذ أن معالي مدير الجامعة يخاطب معالي وزير التعليم العالي، ومعاليه يخاطب وزير العمل، ثم يحول الموضوع لوكيل الوزارة، وهكذا يتحول الأمر إلى موضوع تتقاذفه الأيدي ويدخل في سراديب المكاتب.. هل هذه المكاتبات بين أصحاب المعالي ضرورية وتحقق أمراً مهماً في شأن التأكد من أهلية ومناسبة المرشح للتعاقد معه؟! أنا لا أعتقد ذلك؛ لأن أصحاب المعالي ليس لديهم الوقت الكافي لفعل هذا الأمر، كما أن المعلومات اللازمة تحتاج لوقت أطول لا يمكن توفيرها في غضون الفترة، ويضاف لذلك أن هذه مسؤولية الجهة المرشحة سواء كان القسم أو الكلية. إذن.. هل هذه المراسلات بين أصحاب المعالي ضرورية؟! أم أن الأمر يمكن أن يتم بتخاطب مباشر بين إدارة شؤون الموظفين ومكتب العمل؟!
السبب الثاني لإعاقة التعاقد وتأخيره يتمثل في اللامبالاة التي يتعامل بها بعض الموظفين مع هذا النوع من المعاملات؛ إذ أن ضعف الرقابة وعدم المحاسبة يشعرانه بالاطمئنان، إذ لا داعي من الاستعجال -في نظر بعض الموظفين- وهذا ما حدث مع بعض الموظفين الذين تم المتابعة معهم في هذا الصيف، إذ أن أحدهم يقول: لماذا أنتم مستعجلون بهذه الدرجة؟! أما الآخر فإنه يقول: إذا لم تنتهِ غداً الاثنين فستنتهي يوم السبت!! فأي استهتار كهذا؟!. ومما يزيد الأمر سوءاً أن الإدارة الوسطى لا تعلم عن الأمر شيئاً، فهي وإن حدث وأن اتصلت بأحدهم يحيلك إلى نفس الموظف الذي يتساءل عن سبب الاستعجال أو الموظف الآخر الذي يعد بأن الموضوع سينتهي الاثنين أو السبت، كما أن الإدارة الوسطى تعطيك معلومات تكتشف عدم صحتها، ولو حدث أن أشرت إلى ضعف أداء الموظفين لانبرى المدير المسؤول للدفاع عن الموظفين وتزكيتهم وبُعدهم عن التقصير.
ويضاف لما سبق من أسباب الغموض وعدم الدقة والوضوح الذي يتعامل به بعض الموظفين.. فهو إن سألته عن معاملة يقول لك إنها ربما بالنسخ أو معروضة على صاحب الصلاحية أو بالصادر. يا للعجب.. موظف مسؤول عن الموضوع ولا يعلم في أي وضع المعاملة؟!. كما أن الآخر قد يفيدك أن الجهات المختصة لديها ملاحظات على المرشح فتسأله عن الجهة المختصة من هي؟!، أليس لها مسمى؟!، فيجيبك بنفس الجواب حتى يخيل إليك أنك تستمع إلى جهاز تسجيل!!.
كم هو محزن ومخجل في نفس الوقت أن تتعامل الجهات المتعددة بدءاً بالجامعة ومروراً بوزارة التعليم العالي وانتهاءً بوزارة العمل بهذه الطريقة مع موضوع كهذا دونما استحضار لأهمية الأمر، فالدراسة لا يمكن تأجيلها، كما أن المتعاقد لديه ارتباطاته في وطنه ولابد من وقت كافٍ له لترتيب أموره، بالإضافة إلى أن المتعاقد لديه عروض أخرى، إذ أننا لسنا الوحيدين في الساحة.
وحتى لا يتحول الأمر إلى عرض لمشكلة دون اقتراح لحل، لذا فإني أقترح أن تكون المراسلة مباشرة بين شؤون الموظفين في الجامعة ومكتب العمل؛ إذ لا داعي من إشغال أصحاب المعالي في المراسلات فيما بينهم. أما الحل الثاني الذي أراه فهو أن تستخرج التأشيرات بدون أسماء وتأخذها لجنة التعاقد معها عند سفرها ليتم إبرام العقد النهائي مباشرة مع المتعاقد في وطنه، وتشعر الملحقيات والسفارة بالمرشحين دونما زعبلة إدارية لا تضفي على الموضوع أي إضافة في شأن التحري حول الكفاءة والخبرة أو أي شيء آخر، عدا أنها قد تتسبب في ضياع التعاقد مع المتميزين، علماً بأن هذا الأمر معمول به في بعض الجهات، لكن لا أعرف سبباً لعدم استخدامه من قِبَل الجامعات.

(*) عميد كلية التربية جامعة الملك سعود


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved