Sunday 21st November,200411742العددالأحد 9 ,شوال 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "وَرّاق الجزيرة"

مع المخطوطات (1) مع المخطوطات (1)

* علي الشبل :
فإني أشكر الله جل وعلا وأثني عليه بما هو أهله، حيث منَّ علينا بهذا اللقاء الذي نتدارس فيه العلم من خلال أوعيته التي حفظته لنا، ونتباحث في مثبوتاته التي نُقل إلينا من خلالها جيلاً بعد جيلٍ، في كتب ومصنفات وتآليف اصطلح على تسميتها بالمخطوطات حيث كُتبت بخط اليد من مؤلفيها وناسخيها من أهل العلم وغيرهم من أهل حرفة النسخ والوراقة التي ازدهرت في أجيالٍ سابقة، وعصور سالفة تزامنت مع النهضة العلمية والحركة الفكرية في فنون العلم، حتى يسر الله بفضله هذه المخترعات من خلال المطابع وأنواع التصوير والحواسب الآلية والتي أضحت وسيلة مهمة من أهم وسائل نقل العلم وحفظه ونشره وذيوعه وتثبيته، مع ملاحظة بقاء المخطوط في أهميته واعتباره ومنزلته وقدره، ولاسيما في نقل حضارة الأمم وعلومها وثقافتها وتاريخها العلمي والحضاري، ولاسيما العلوم الإسلامية التي جاءت الشريعة بتأكيد فرضيتها علماً وتعلماً ودعوةً وبذلاً واهتماماً وشرحاً.
ومن أهداف هذا الموضوع (موضوع الحديث عن المخطوطات الإسلامية) المشتملة على علوم الشريعة وآلاتها والتاريخ الحضاري والعلمي والثقافي المجيد لأمة الإسلام.
1- إبراز جانب المخطوطات والتعريف بها ودورها الواضح في الحركة العلمية والثقافية والحضارية العريقة للمسلمين، وأثر ذلك على العالم بأسره، وهو جانبٌ مازال خفياً ومحدود الطرق والطرح في المجالات الإعلامية والثقافية مع وضوح أهميته.
2- التنويه بمخطوطات علماء المسلمين على مدار تاريخهم المشرّف ولاسيما في أبواب السنة والشريعة والتعريف بها وبأماكنها ووجودها ووصفها، وما يجب أن تناله من حق الرعاية والاهتمام والتقدير والاحترام والدراسة والإفادة.
3 - لفت نظر الاخوة المستمعين والباحثين - على سبيل الخصوص - إلى تلكم المخطوطات بالاهتمام بها وخدمتها ودراستها لطلبة العلم ولاسيما في الدراسات العليا بتحقيقها وعرضها وتهيئة الإفادة منها وتيسير تناولها ونشرها وذيوعها.
4- إبراز اعتزاز الأمة الإسلامية بتراثها الحقيقي وهو دينها، وما العلوم الشرعية والعلوم المساعدة لها إلا مظهرٌ جلي من اعتزاز الأمة بتراثها الحضاري العلمي الذي به تفخر وتتميز به ديناً وتاريخاً وحضارةً وجهاداً، فإن ما تركه علماء الإسلام جيلاً بعد جيلٍ من لدن عهد النبي صلى الله عليه وسلم فمن بعده هو في الحقيقة مصدر شرف وسبل هداية تفخر وتعتز به الأمة، لما يمثله ذلك من حضارتها الحقة وأهدافها الخيّرة.
5 - التأكد على تميز وسائلنا الإعلامية في المملكة في مواضيعها واهتمامها الواضح بالعقيدة والشريعة، وبسلامة ووضوح الطريق الموصل إلى الله ورضوانه في خضم الحياة الدنيا وزخارفها وزينتها، وذلك بتنوع طرح الإذاعة وتنوير مدارك المسلمين والاهتمام بذلك.
هذا وإن أهم مصادر علوم المسلمين وعزتهم ومفخرتهم ومبعث هدايتهم ومرتكز حضارتهم هو في كتاب ربهم الذي تكلم به سبحانه حقاً، وانزله على عباده وحياً، وآمن به المؤمنون صدقاً، هو القرآن الحكيم، التنزيل من رب العالمين.
والذي أوكل حفظه في لفظه ومعانيه إلى نفسه الشريفة كما قال سبحانه وتعالى في أول سورة الحجر: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}. فلم يطل حفظه لغيره كما فعل سبحانه مع كتبه التي أنزلها على الأمم قبل هذه الأمة، فهذا التوراة والإنجيل أوكل حفظها سبحانه إلى أهلها الذين أنزلت عليهم كما قال عز وجل في سورة المائدة: {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء}.
فقيض الله لهذه الأمة علماء بلغوا في العلم شاؤاً عظيماً فحفظوا لفظ القرآن، فجمعه الصحابة من صدور الرجال ومن الرقاع والاكتاف واللخاف والألواح في مصحف جامع واحد، كما حفظوا معانيه من التزيد والنقصان والتحريف والتبديل، فالقرآن محفوظ في السطور كما هو محفوظ في الصدور يقول سبحانه في آية العنكبوت: {وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ، بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ}. أما ضبط رسمه وكتابته فاعتنى به علماء القراءات والرسم والعربية عناية فائقة في رسمه وكتابته وضبطه وتحزيبه وبيان أجزائه وتقعيد قواعد أدائه وتنوع قراءاته بما لا يتطرق الشك بعد ذلك إلى حرفٍ واحد منه فضلاً عن غيره.
وكما أن القرآن كلام الله أهم مصادر العلوم وهو عز المسلمين ومفخرتهم ومبعث هدايتهم فكذلك سنة النبي صلى الله عليه وسلم قولية كانت أو فعلية أو تقريرية فهي الوحي الثاني ولا تقل أهمية ومكانة عن القرآن فهما وحيان شريفان من رب العالمين: {وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إني أوتيت القرآن ومثله معه).
ولذا اعتنى العلماء بتقيد وتنقيد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وجمعه وتمييزه وتحريره والعناية برواته وألفاظه وجمله وكلماته ضبطاً وتحقيقاً وتمحيصاً وتعديلاً وتخريجاً بما أبرزه ذلك في كتب علوم الحديث رواية أو دراية وهي أكثر مخطوطات المسلمين عدداً ونوعاً وكثرةً.
فهذا صحيح الإمام الكبير أبو عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري له في العالم من المخطوطات نسخ كثيرة تبلغ المئات حتى لم تخل مكتبة أو دارعلم في الأزمان الماضية من نسخة منه، وبرواياته المشهورة منها وغير المشهورة، وإن كانت رواية محمد بن يوسف الفزري وما تفرع عنها هي الرواية المشهورة للصحيح وكذا في صحيح الإمام مسلم بن الحجاج النيسابوري، اللذان هما أصح كتابين بعد كتاب الله عز وجل، فإنا وجدنا نسخهما المخطوطة قبل عصور الطباعة وبعدها منتشرةً انتشاراً واضحاً في العالم الإسلامي وغير الإسلامي في المتاحف ومراكز المخطوطات والمكتبات القديمة والمدارس ونحوها.
وقل مثل ذلك أو دونه فيما قبلهما من الموطأت والمسانيد وما بعدهما كذلك من مدونات حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الصحاح والمساند والجوامع والمعاجم والسنن والأجزاء، فضلاً عن كتب الشروح وكتب الرجال وأصول الحديث وغريبه وناسخه ومنسوخه، وتاريخه ومستدركاته ومستخرجاته ونوادره ومشيخاته وزوائده.. إلخ مما قد يأتي أنواع من أفراده في مناسبات لاحقة.
والمقصود أن علماء المسلمين قيضهم الله عز وجل لحفظ دينه وبيان شرعه، وما المخطوطات إلا سبيل لهذا الحفظ والتبيان، في أصول الشريعة وفروعها وفي مختلف فنونها. فاللهم لك الحمد على ذلك وعلى غيره حمداً كثيرا طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى ووفق الله الجميع للعلم النافع والعمل الصالح والفهم الصائب، ومنحنا وإياكم الفقه في دينه والعمل به والدفاع عنه والثبات عليه، وأعاذنا من أسباب سخطه وعقوبته إنه ولي ذلك وكفيله سبحانه .
وصلى الله على محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved