تعقيباً على ما تنشره الجزيرة من مواضيع حول التربية والتعليم أقول: يسأل الكثير لماذا لا يحب طلابنا مدارسهم؟ ولماذا يأتون اليها مدفوعين، ويخرجون منها متدافعين؟ لماذا يعاني كثير من الآباء من أبنائهم إذا أرادوا أن يذهبوا بهم للمدرسة؟ لماذا تحصل الكثير من المشكلات الطلابية داخل المدرسة؟ بينما طلاب في دول أخرى يجلسون في مدارسهم الساعات الطوال دون ملل، بل ويحبون البقاء في مدارسهم؟.
يحتاج الواقع الى اجابة على هذه الأسئلة وخصوصا أننا ندعو الى ما يسمى باليوم الكامل، وندعو الى فتح المدارس طوال اليوم بل وطوال العام الهجري.
بالنظر الى مدارس بعض الدول ندرك بعضا من الأسباب التي تجعل أولئك الطلاب يحبون مدارسهم، ففي الأردن مثلا تبلغ نسبة المباني الحكومية 81.5% من مجمل المباني المدرسية، ونسبة الطلاب الذين يدرسون في المدارس المستأجرة 11% من المجموع العام للطلاب كما أن هناك زيارات مستمرة من قبل وزارة الصحة للمدارس، وفي تونس وماليزيا وسنغافورة وغيرها من الدول لا يوجد مبان مدرسية مستأجرة، وبعضها تحتوي اضافة الى المرافق الأساسية صالة ألعاب وكافتيريا وصالات أخرى مساندة، وفي كوريا تشارك المدارس في خدمة المجتمع بتنظيم برامج لأولياء الأمور في البرامج الارشادية واللغة الانجليزية والحاسب الآلي والاقتصاد المنزلي وغيره، وفي بعض الدول تستخدم المدرسة في المساء كمركز للحي والتعليم الأهلي المستمر، وفي اليابان تعتبر المدرسة المتنفس الأول للطالب والتي يتوافر فيها كل ما يحتاجه من متطلبات الحياة ولا تغلق أبوابها أبداً حتى الاجازة الأسبوعية والاجازات العامة، والضرب بها ممنوع والعنف منبوذ.
فمدارس تلك الدول إذن تتوافر فيها امكانات مادية وتربوية تجعل بقاء الطلاب فيها غير ممل، والنتائج التربوية للطلاب ذات مستوى عال. فلا تتعجب من عدم حب الطالب للذهاب الى مدرسة تبعد عنه مسافات مشيا على الاقدام وهو يتذكر برودة الجو أو حرار الشمس، أو وهو يتذكر ذلك الفصل الذي يكتظ بعشرات الطلاب، وبعد منتصف الدوام يسيل العرق من سوء التكييف وتظهر الروائح، أو وهو يتذكر ذلك المعلم الذي هدد وتوعد بأليم العقاب لمن لم يحضر الواجب، أو هو يتذكر أنه سيجلس على ذلك الكرسي حصصا متتابعة لا يتحرك فيها ولا يتكلم وإنما يستمع فقط، أو وهو لا يجد مجالا ومكانا لممارسة هواياته المفضلة في أوقات فراغه داخل المدرسة، أو وهو يعلم أن نجاحه مرتبط بمقدار حفظه للمعلومات وليس بمقدار الجهد الذي يبذله في التعلم.
إننا إذا أردنا أن يحب طلابنا مدارسهم يجب أن نحول المدرسة الى مكان محبوب لهم في ضوء ضوابطنا وأهدافنا التربوية، فكل واحد منا يحب ويهوى المكان الجميل المريح ويحب البقاء فيه، ويكره المكان الآخر. إن المدارس في الدول كالمصانع كلما كانت العناية والاهتمام بها وبمحتوياتها كبيرة كانت المواد التي تنتجها أكثر تميزاً وجودة، إذن لابد أن نهيئ تلك المصانع (المدارس) تهيئة تتناسب مع الأهداف التربوية التي نسعى الى تحقيقها لكي نحصل على كوادر طلابية متميزة، ومن تلك التهيئة ما يلي:
- أن تسعى وزارة التربية والتعليم خلال فترة زمنية مناسبة الى أن تكون جميع المباني المدرسية مباني حكومية كما هو في كثير من الدول - وليس ذلك بمستحيل -.
- أن تهيئ الظروف والامكانات المادية المختلفة داخل المدرسة مثل: التكييف، والاضاءة، والوسائل التعليمية، والملاعب الرياضية، والمسجد، والمسرح.. الخ.
- أن يراعي مدير المدرسة أثناء توزيع جدول الحصص الأسبوعي مناسبته للطلاب كما يراعي المعلمين.
- أن يراعي أثناء توزيع الطلاب على الفصول الدراسية تجانس الطلاب وارتياحهم وتفاعلهم مع بعضهم البعض - وخصوصا طلاب المرحلة الابتدائية-.
- أن نوفر في مدارسنا الرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية المتكاملة والمؤهلة.
- أن يستخدم المعلمون الوسائل التقنية الحديثة في التدريس، والتي تبعد الملل والسأم عن الطلاب.
- أن تفعل مراكز مصادر التعلم في المدارس، وألا تكون فقط للدروس المنهجية.
- أن تتاح الفرص للطلاب للجلوس مع معلميهم داخل المدرسة لعرض المشكلات، وطرح التساؤلات، وتبادل الخبرات (ساعات مكتبية).
- أن تكون المدرسة جزءا مشاركا وفاعلا في المجتمع وأنشطته وما فيه من مناشط اجتماعية.
- أن تكون هناك حوافز مادية (عينية) ومعنوية للطلاب الذين يحضرون مبكرا للمدرسة، والمتفاعلين مع أنشطة المدرسة وبرامجها.
- التفعيل الايجابي للنشاط الطلابي داخل المدرسة تفعيلا يتناسب وميول الطلاب وحاجاتهم.
- أن يتدرب جميع من في المدرسة من جهاز اداري ومعلمين وطلاب على حسن التعامل مع الآخرين (الاحترام، التواضع، الابتسامة، الكلمة الطيبة.. الخ).
- أن تفعل مجالس أولياء أمور الطلاب ويشاركون في برامج المدرسة حضوراً ودعماً معنوياً ومادياً.
- أن تفتح المدرسة أبوابها مساء لطلابها لمراجعة المواد الدراسية مع المعلمين، وممارسة هواياتهم المحببة لديهم.
- أن تتاح فرص التنافس الشريف بين الطلاب في مختلف الجوانب التربوية، وليس فقط في التفوق الدراسي، فمثلاً: التنافس الرياضي، المسرحي، التقني.. الخ
أخيراً: لعلنا بهذا نوفر بيئة مدرسية محبوبة لطلابنا، يأتون اليها متدافعين ويخرجون منها مدفوعين، ينتظرون ليلاً متى يأتي الصباح حتى يذهبوا الى مدارسهم، فإذا وصلنا الى هذه المرحلة من التهيئة المادية اضافة الى تهيئة العناصر الأخرى في النظام التعليمي التربوي ضمنا تخرج طلاب متميزين محققين للأهداف التي تسعى اليها وزارة التربية والتعليم.
حمد بن عبدالله القميزي
/مشرف تربوي - الخرج |