يفخر المجتمع العلمي الحديث بأنه يستطيع تقديم المعالجات لمشاكلنا المختلفة وإحدى هذه المشكلات هي تلك المرتبطة بالهجرة الداخلية، فالجهود التي تبذل لإغلاق الباب أمام موجات الهجرة المتصاعدة من القرى والهجر إلى العاصمة والمدن ما زالت مستمرة.
إن السبب الرئيسي في ظاهرة الهجرة الداخلية من القرى (الخرج، ضرماء، القويعية) إلى العاصمة أو المدن (الرياض، جدة، الدمام) يبرز في ضعف الخدمات الأساسية في القرية (طرق معبدة، كهرباء، اتصالات، مياه، خدمات صحية) الأمر الذي دفع كثيراً من أبناء القرى والهجر إلى الهجرة إلى المدن والمحافظات بحثاً عن ضرورات الحياة.
ولا يخفى على أحد أن أعداداً كبيرة من خارج الرياض سواء من القرى أو المدن التابعة لإمارتها أو من مناطق أخرى يهاجرون إلى الرياض للإقامة بها بصورة دائمة أو مؤقتة في بعض الأحيان.
وهذه الإقامة قد يكون سببها البحث عن فرص عمل استحال عليهم الحصول عليها في مناطقهم، أو بحثاً عن جامعة يدرسون فيها، وقد يرى بعضهم أن الإقامة في العاصمة تتيح لهم فرصاً مادية أو معنوية، قد لا تتوافر لهم في قراهم ومدنهم، فيقررون عندها الهجرة إلى الرياض، رغبة في تحقيق مثل هذه الطموحات.
ومن هنا، فلا عجب حين نسمع أحد المسؤولين في الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض يقول: إننا لا نستطيع أن نضع سوراً حول الرياض ونمنع الناس من الهجرة إليها.
إذن، ما المطلوب؟!
المطلوب خطة وطنية محددة المعالم، واضحة الأهداف يمكن أن تقلل من ظاهرة الهجرة إلى الرياض.
إذ من المعالجات الجيدة لظاهرة الهجرة إلى المدن تتمثل في توفير الدولة الخدمات الأساسية (الطرق، الاتصالات، المياه، الكهرباء،.. الخ) والخدمات التعليمية (المدارس، الكليات، المعاهد، الجامعات،.. الخ) وتوزيعها تناسبياً على المناطق والهجر والقرى، حينها سيبقى أبناء تلك القرى والهجر في مناطقهم ويدرسون ويعملون ويحصلون على المنافع التي كانوا يرغبون فيها، ناهيك عن تخفيف ظاهرة الازدحام والاكتظاظ السكاني في العاصمة، بل إن مثل هذا الأمر يسهم في إحياء عدد من المدن والقرى وتنميتها وإعادة الروح إليها.
وذلك أن المشكلة المستقبلية التي يمكن أن تواجهها مدينة الرياض تتمثل في الاكتظاظ السكاني الذي سوف يضغط على الخدمات الأساسية، فإذا كان عدد سكانها الآن في حدود 4 -5 ملايين، وحسب بعض الإحصاءات فإن العدد سوف يتضاعف في غضون عشر أو عشرين سنة، حينها، هل تستطيع الرياض في مثل هذه الحالة استيعاب كل هذه الأعداد، وهل تستطيع تقديم الخدمات اللازمة لهم.
لقد اهتم العلماء الاقتصاديون والاجتماعيون منذ زمن طويل بمسألة ما إذا كان هناك حجم أمثل للمدن. حيث يرى بعض الخبراء أن الحد الأقصى الأمثل خاصة فيما يتعلق بالوظائف هو حوالي 500 ألف ساكن. وعندما يصل العدد إلى 2 مليون ساكن يكون قد وصل إلى النقطة الحرجة التي تصبح بعدها المحافظة على مستوى المعيشة العام أكثر صعوبة.
ختاما أقول: إن الحلول المقدمة لإيقاف الهجرة الداخلية ينبغي أن تشتمل على خطة وطنية طويلة المدى تكون التنمية الريفية فيها جزءاً من التنمية الوطنية.
* المستشار الاقتصادي وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام
محمد بن سعود الإسلامية / عضو جمعية الاقتصاد السعودية |