ما بين فترة وأخرى تجد نفسك محتاراً أين تذهب، ولا تعلم عن سبب هذه الحيرة.. تخرج تبحث عن موقع تجد فيه بهجتك وسرورك ولكن لم تجده.
تبحث هنا وهناك، تعود مرة أخرى من حيث أتيت ولكن تجد الوضع ما زال يزداد.. تتوقف تتأمل في الكون ونظامه الذي تهيمن عليه قوة إلهية لا يوازيها أي قوة أخرى.
تذكر الله وتنتظر زوال هذه الحيرة، ولكن بداخلي أمراً ما زال يسبب لي حيرة، وهو أن يأتي إليك شخص آخر، ويطلب منك مرافقته، ولكن ترد عليه وتقول أرجوك دعني.. لا أستطيع هذا المساء أنا محتار.. يسألك عن سبب حيرتك وتقول لا أعلم.. يذهب هو يتركك في حالك وتبقى أنت وحدك تلاطمك الأفكار، وبعدها تنطلق إلى المكان الهادىء الذي تحب الانزواء فيه.. تأخذ قلمك وورقك الأبيض الذي لا يرفض أمرك وينساق معك الحبر وتنهال عليك الأفكار وتريد أن تكتب ولكن تقول ماذا أكتب وعن ماذا أكتب والى أي حد أتوقف؟.
تواصل كتابتك، وتواصل الأفكار وتزاحمها عليك كل فكرة تريد أن تسبق قبل الأخرى.. تستمر انت وسط هذه الزحمة الفكرية.
وتستمر أنت بالكتابة والأفكار تنهال متزاحمة ولكن ما هو الموضوع الذي يستحق الكتابة.. أم أنني أتخذ الكتابة لكي أُفضفض عن ما بداخلي.. انقله من مكانه الذي يختبئ فيه إلى الورق حتى تخف حيرتي وتخف آلامي وبعدما تنثر تلك الآهات على الورق الأبيض.
يتحمَّلها الورق ويرأف عليك.
لا يتألم رغم أنها تنزل عليه بقوة، ولكن الورق أصبح أقوى مني واستطاع أن يصبر على تلك الكلمات التي كُتبت عليه.
التي خرجت من مكان ازدحمت فيه وأرادت الخروج مندفعة.
أرادات أن يستريح صاحبها من تلك الحيرة.. وبعد أن يكتب وينتهي من الكتابة يقرأ ما سطَّره.
يجدها كلمات مؤلمة يجب أن تبقى أسيرة لديه ولكن هي أبت إلا ان تخرج حتى تكون الكتابة هي التي تقضي على الآلام للآخرين.. حتى يشارك الآخرين متاعبهم من خلال الكتابة لانه يعلم أنه يُوجد شخص يجد راحته بهذا الكلمات.. فيقول كيف لصاحبها عرف ما بي.. أين تلك الكلمات من فترة.. فلذلك تصر الكلمات أن تخرج وتعانق افكار غيره وتخفف من احزانه وآلامه وما يعانيه في زمن أصبح المسيطر والمهيمن والمتحكم بنفسيات البشر ومشاعرهم وحتى قلوبهم وعقولهم واجسامهم وغدوتهم وروحتهم المصالح الذاتية والشخصية، فكيف لا يأتي من ينثر كلماته لعل من اكتوى بنار هذه العقول يجد له مخرجاً من تلك الازمة التي يعيشها.. لعل من عاش فترة الحرمان يجد له قلباً يعوِّضه عن تلك الفترة.. لعل من استمر في آلامه يجد يوماً بدون آلام.
لعل من ذاق القسوة ومرارتها يرتاح قليلاً منها.. لعل من صبر وما زال صابراً يجد من يساعده على الصبر.. لعل من يعيش في عالم مجهول يجد له يوماً عالَماً آمناً ولو ليوم واحد.. لعل من يعيش فترة انتظار صعب يجد له يوماً يبشره بقدوم المنتظر.
لعل من حزن يجد له يوماً يفرح فيه.. لعل من ذاق الجحود والنكران من قريب له يجد يوماً الاعتراف بالجميل من بعيد لا يمت له بصلة.. لعل شخصاً كل يوم يصبح فيه يفكر بالعيش لنفسه فقط.. يستيقظ ويقول لماذا لا أعيش للآخرين.. لعل من بخل بالجود يقدمه.. لعل من منع الخير يتوقف عن امتناعه.. لعل من قدَّم الشر يتراجع.
لعل من سلك طريقاً يريد فيه إيذاء الآخرين يتقهقر من نصف الطريق.. لعل صاحب النفس الحزينة تتحوَّل إلى نفس سعيدة.. لعل المتشائم يتفاءل.. ولعل صاحب دعوات صادقة يوجهها بآخر الليل إلى من قدَّم له خيراً، والناس لا يعلمون عنه شيئاً.
لعل من شاهد يتيماً تدمع عيونه يمسح دمعه ويواسيه.. لعل صاحب القلب الذي يكن الحقد للآخرين يراجع نفسه ويقول لماذا انا هكذا؟؟ لعل ولعل ولعل من نسي صاحب جميل قدَّمه له يذكره ويعود إليه ويقول عفواً لقد نسيتك، ولكن الآن اعود وأتأسف على ما بدر مني.. لعل صاحب قلم أهديته له وهجاك به يعلم أنه اخطأ بحقك.. ولعل صاحب عصا أعطيتها إياه ليتكئ عليها وشج بها رأسك يعود إليك ويقول انا لم اقصد ولكن وقع مني ذلك.
فيا من تملكون كلمات تعانق آلام الآخرين اكتبوا لعل كتابتكم تنفس لاصحاب تلك الآلام.
|