يجد رئيس الوزراء الإسرائيلي أنه في موقع يتيح له فرض الشروط على الفلسطينيين من أجل استئناف الحوار معهم، ويشير إلى أن من بين هذه الشروط أن تتوقف موجة التحريض التي يقوم بها الفلسطينيون ضد إسرائيل، لكن إسرائيل لا تحتاج إلى من يحرض الناس ضدها؛ فهي في الأساس كيان استفزازي لا يصدر عنه إلا كل ما هو مستفز للفلسطينيين، بدءا من الوجود المتمثل في الاحتلال إلى التصرفات القمعية اليومية بما في ذلك جرائم القتل المتواصلة بشكل فردي أو على شكل مجازر تقشعر لهولها الأبدان..
ومع ذلك فإن شارون يتطلع إلى عدم التحريض على إسرائيل بينما هي لا تكف عن تقديم أسباب العداء لها، والأحرى أن شارون يستشعر تفوقه العسكري الكبير وسطوته والتأييد اللامحدود الذي يلقاه من الحليف الأمريكي ومن ثم فهو إنما يستعرض كل هذه الإمكانيات من موقع يعتقد أنه موقع قوة، يتيح له فرض الشروط ، غير أن كل هذه المظاهر القوية التي تحيط بشارون لا تصمد بقدر طرفة عين أمام غضبة فلسطينية متأججة تتمثل في عملية فدائية موجعة، وعندها فإن كل مظاهر القوة هذه تتحول إلى حالة من الهلع والاضطراب في أوساط جنود شارون ، كما أن مظاهر هذا الوجل تتمثل في موجات من الرحيل لآلاف اليهود تدفع بهم إلى البلاد التي أتوا منها..
وفي إسرائيل وفي أمريكا يتحدثون عن فرصة مواتية لاستئناف محاولات السلام، وهم هنا يقصدون أن وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات هي التي توفر مثل هذه الفرصة، وهذه تصريحات تنم عن افتقار إلى الكياسة كما تنطوي على استهتار كبير بمشاعر الآخرين، كونها تأتي في ظل أجواء الحزن على ذلك الرحيل ، وهي بذلك تنم عن احتقار للفلسطينيين، ولا يعرف أي سلام يتطلع إليه شارون مع أناس يحتقرهم، إنه حتما سلام على المقاييس الإسرائيلية بكل ما تتضمنه من انتقاص للحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني..
تحركات السلام الحالية بما فيها من زيارات معلنة لوزراء الخارجية البريطاني والأمريكي والروسي تبني على ذلك الافتراض الذي يتردد على ألسنة الرسميين في واشنطن وتل أبيب حول غياب عرفات، لكن يتعين على هؤلاء الذي يراهنون على إحراز تقدم بسبب ذلك الغياب أن يعلموا أن ثمة ثوابت فلسطينية تمسَّك بها عرفات كما يتمسَّك بها كل فلسطيني، وأن الإقدام على تجاوز هذه الثوابت من أي كان.. يعني أن من يقدم على ذلك هو شخص لا يحظى بتأييد الشعب الفلسطيني وهو بالتالي رقم محذوف في البنية السياسية الفلسطينية وغير مؤهل لخوض السلام باسم الفلسطينيين..
|