Sunday 21st November,200411742العددالأحد 9 ,شوال 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

جِهَاد (الفَلُّوجَة).. في بيانات (القصِيْد والعصِيْد)..!! جِهَاد (الفَلُّوجَة).. في بيانات (القصِيْد والعصِيْد)..!!
حمّاد بن حامد السالمي

* لأول مرة في حياتي، لا أقضي عيد الفطر، في أحضان حبيبتي (الطائف).. ذهبت بعيداً إلى مدن الساحل الشرقي الجميل، إلى جانب الحفيد (فهد)، ثم تسمرت أربعة أيام متتالية، أمام الفضائيات العربية، أترقب بشوقٍ، رؤية أمراء الجهاد والحرب، في تلك المدينة المنكوبة، التي يسمونها (الفلوجة)، فما ظفرت بصورة بطل واحد، من أمثال ذلك الذي سماه الواهمون والحالمون: أميراً زرقاوياً أو صفراوياً أو قمحاوياً..! لا أمير حرب، ولا حارس زرب، الكل فر بجلده إلى درب.. ولم نر حتى واحداً من أمراء (الجهاد الشعري)، الذين فتح الله عليهم قريحة القصيد قبيل العيد، فأمطرونا بقذائف نارية، لو ذهبوا بها إلى الجيوش المحتلة في العراق، لكفونا شر البلدية، ولكننا - على ما يبدو - أصبحنا هدفاً لكل (بياني أو شعري)، يرفع بيننا رايات التعريض والتحريض، ويدفع بأبنائنا إلى معارك مذهبية عنصرية ثأرية، تجري بين فصائل متناحرة، فها هي ألعوبة الخلط بين ما هو ديني وما هو سياسي، تدار بالبيان وبالقصيد، على موائد الثريد والعصيد، وعلى الاتباع النفير إلى الموت الزؤام، دون قادة من المفتين أو المنفرين..؟!
* يعجبني في (واحدٍ) من أهل القصيد الثوري، أنه صاحب مبدأ لا يحيد عنه رغم كل المتغيرات، فهو واقفٌ عند مربط نظرية (المؤامرة) منذ الحادي عشر من سبتمبر، وسوف يظل كذلك حتى بعد الفلوجة، وحتى ما بعد بعدها من فواجع وكوارث قادمة..!
* ويعجبني في (واحدٍ آخر)، أنه ربما ورث (شعرة معاوية) الشهيرة، فهو مع وضد في كل الأوقات، فلا زيداً ترك، ولا عمراً ترك، حتى لو جاءت ضربات شعره تحت الحزام، فهو الذكي الوحيد، وغيره الغبي الوحيد..!
* ماذا ترك الذين سموا أنفسهم إسلاميين.. ماذا ترك هؤلاء أصحاب التواقيع الـ(26)، لمن جاء بعدهم من المفتين والمنظرين ورافعي لواء الجهاد..؟!
* قرأت قبيل العيد، بياناً لا أستطيع أن أقول إلا أنه حزبي تحريضي تغريري، يدفع بالسذج إلى المحرقة، ويقود الشباب، إلى طريق الانتحار، ويحمل نموذجاً جيداً لفكر العنف في المنطقة، وكل الذي يجري في أجزاء من العراق، لا علاقة له بالجهاد، ولا حتى بمقاومة وطنية عراقية شريفة.
* إن وجوب الجهاد على المقتدرين - كما ينص عليه بيان الـ(26) السعوديين، شرط ينطبق ابتداءً على الموقعين عليه قبل غيرهم من الناس، فهم الذين يملكون الصحة والمال، وعندهم ما يكفي أسرهم ومن يعولون في غيابهم، فكان الأجدر بهم في هذه الحالة، ضرب المثل، إذا كانوا صادقين فيما دعوا إليه من نفير إلى أرض المعركة، وأن يتقدموا الصفوف إلى ساحات القتال هناك، فالأقوال دون أفعال، ليست أكثر من فقاعات صابون في الهواء، وليس لها مصداقية تدعمها دون ترجمتها عملياً، و(البيانيون الـ26)، ليسوا بأفضل ولا أكرم ولا أشرف عند الله، من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين كانوا مجاهدين فعلاً لا قولاً، ومنهم أكثر من (سبعين) صحابياً جليلاً، رضوان الله عليهم، كانوا من العلماء والمفتين وحفاظ القرآن الكريم، استشهدوا في حروب الردة مع القائد خالد بن الوليد- رضي الله عنه-، في دحره لمدعي النبوة (مسيلمة الكذاب)، فما حرضوا، وما دفعوا غيرهم وجلسوا في دورهم يتفرجون على غيرهم، وما خيف على ضياع القرآن بموت حفظته وهم قلة في ذلك الزمان، والقرآن وقتها، ما تجاوز الصدور إلى السطور بعد، فماذا تخسر الأمة في زماننا هذا، إذا مات في ساحات الجهاد الذي يدعون، (26 داعياً له) في بيان ثوري..؟!!
* حقيقة.. كان حلمي أن أرى واحداً من هؤلاء في ساحة المعركة..! واحداً فقط..! أو واحداً من أبنائه وقرابته..! لماذا تذهب أحلامنا أدراج الرياح..؟!
* في وقتٍ عصيب، يعاني فيه الشعب العراقي من التشرذم وانفلات الأمن، ويذهب الأبرياء ضحايا بين نارين، نار المغامرين، ونار المحتلين، فمن جهةٍ، مثلث (القاعديين والصداميين والمرتزقين)، ومن جهةٍ أخرى، (الجيش الأمريكي) الذي يدير الوسط العراقي بعقلية رعاة البقر، في هذا الوقت، هناك من يملك الوقت، لصب المزيد من الزيت على النار في الفلوجة والرمادي وبعقوبة، بينما هو يعيش مرفهاً في قصور مشيدة، وسيارات فارهة، ويتمتع بموائد عامرة، وولائم موسمية دسمة، بين تهامتها وسراتها ونجودها، الأمر لا يكلف أكثر من أبيات قصيد، وبيان تحريض، ثم نوم هنيء، في نعيم عميم، من (عسل وسمن وعصيد)..!
* مثلما عبّر أكثر من مصدر عراقي بعد بيان الـ(26)، فهناك تدخل سافر غير مقبول في الشأن العراقي، خاصة أن البيان المذكور يوحي بأنه يمثل رأي السعوديين وعلماء المملكة، وهذه مغالطة فيها تدليس وتلبيس لا يستهان به، ولغة البيان فيها تحريض على الفتنة والتعصب، بل فيها مفردات كثيرة من أدبيات القاعدة، وما تفرع عنها من تنظيمات جهادية خوارجية.. خذوا مثلاً هذا النص: (ولا يجوز لمسلم أن يؤذي أحداً من رجال المقاومة، ولا أن يدل عليهم، فضلاً عن أن يؤذي أحداً من أهلهم وأبنائهم، بل تجب نصرتهم وحمايتهم)..! فلو وضعنا كلمة (المجاهدين) محل قولهم: (رجال المقاومة)، لظهر لنا نص من أدبيات القاعدة، يعرض دائماً في مجلة صوت الجهات التي تصدر عن (خوارج جزيرة العرب)، الذين يسمون أنفسهم مجاهدين..! وينقل عنها موقع (الساحات العربية - فارس)، وقناة (الجزيرة القطرية)، وهما صوت القاعدة الموجه ضد المملكة تحديداً، والنص يوجه عادة، لدعم الإرهابيين المفجرين داخل المملكة، فانطلاقاً من هذا النص الواضح في عنفه وعنفوانه، يمكن لمؤسسات حكومية وأهلية في العراق، أو حتى الولايات المتحدة الأمريكية، التي تقود الحرب الدولية على الإرهاب، مقاضاة أصحاب هذه النصوص التحريضية، على أنها تدعو للعنف، فهي إرهابية إذن، وهذا مبرر جديد من القوم إياهم، ربما يطل غيرهم على أرضنا..!
* ما الدافع إلى هذا الخلط اليوم، بين ما هو ديني وما هو سياسي..؟! فليس هذا البيان بطبيعة الحال، هو البداية، ولكنه أتى ربما، ليذكّرنا بأمور ما زلنا نكرهها غاية الكره في بلادنا العزيزة (المملكة العربية السعودية)، منها على سبيل المثال: (مذكرة النصحية عام 1990م)، ثم (قائمة الـ26)، التي تضم إرهابيين مطلوبين أمنياً.
* في عام 1990م كان مليون جندي صدامي على حدودنا وفي داخل مدينة الخفجي، وهناك ناصحون يحرمون علينا الدفاع عن أنفسنا..! أما الرقم (26)، فهو رقم مفجع مفزع للغاية، كان في قائمة دموية، فأتى في بيان، فماذا بين (26 و26)..؟! ولماذا يتكرر معنا هذا الفزع في أيام العيد..؟!!
* لا أدري من هو صاحب المصلحة في تأجيج الفتنة، والإبقاء على اللهب في سماء المنطقة، هل هذا كله غيرة على الشعب العراقي وحده، وعلى أصولية أهل السنة في العراق دون غيرهم من أكراد وشيعة وأطياف أخرى كثيرة على أرض السواد، أم هي في المقام الأول، نصرة للمخذولين في أرض الأفغان، وجمع شتاتهم من جديد على حدودنا الشمالية، وطمأنة الكامنين، وتقوية إرادتهم..؟!
* كيف يتجاهل بعض السعوديين المصالح الوطنية العليا لبلدهم، وينساقون وراء عواطف أو نوايا لا تخدم إلا أعداء السعوديين قبل غيرهم..؟!
* إذا لم يكن بيان الـ(26)، خروجاً على الإجماع الوطني الذي تكرسه الدولة، ويؤسس له بثقةٍ واقتدار في المملكة اليوم، والذي يحترم المرجعية الدينية الرسمية، ويراعي التوجهات السياسية الداخلية والخارجية، ومنها احترام سيادة الدول والشعوب قريبة وبعيدة.. إذا لم يكن كذلك، فهل يكون غير ذلك..؟!!
* تمنيت.. وتمنى غيري، أن يخوض (البيانيون الجهاديون)، المعركة بأنفسهم قبل غيرهم، فهم الأجدر والأقدر، وهم السابقون ونحن اللاحقون، ولكنهم لم يفعلوا ولن يفعلوا، وكأني بهم أرادوا ببيانهم هذا، الداخل لا الخارج، يقولون للكل هنا: (نحن هنا)، ويذكّرون الناسين، بما مضى من السنين.. لا أعادها الله من سنين.. آمين.

027361552


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved