لم تتفق الثقافات عبر التاريخ على طريقة موحدة في النظر للمرأة أو في طريقة التعامل معها، ولهذا فلن تتفق اليوم ولن تتفق غداً على هذا الموضوع، فكل يعتقد أن طريقته هي الأفضل، ونموذجه هو النموذج المثالي الذي يجب على الآخرين أن يحذو حذوه، وربما ظن من يملكون القوة والنفوذ في عالم اليوم أن على الآخرين أن يتبعوهم حذو القذة بالقذة، فما داموا يملكون القوة الاقتصادية والعلمية والعسكرية، فإن هذا مؤشر على قوة قيمهم ونظرتهم للإنسان وللكون والحياة، وهذا وهم قادهم إليه صلف القوة، وغرور النجاح في الجانب المادي الذي يفتقد الروح ويفتقد الإنسان في كثير من جوانبه، ولهذا دعونا نستعرض بعض صور المرأة وأوضاعها في المجتمعات القديمة، لنرى التناقض والتباعد والاختلاف، ففي مصر الفرعونية عرف نظام وحدانية الزوج والزوجة، مع تساوي كل منهما في الحقوق والواجبات، وكان النظام الأمي هو السائد، أي أن الأم هي محور الأسرة ورئيسها والأطفال ينسبون لها، واستمر ذلك حتى ظهر عهد الإقطاع فعرفت الأسرة المصرية النظام الأبوي، وما تبعه من إقرار حق الرجل في أن تكون له أكثر من زوجة، وكان ذلك في الغالب مقصوراً على الأمراء والأغنياء الذين تعددت زوجاتهم ومحظياتهم ونتج عن ذلك أن صارت المرأة غير مساوية للرجل في الحقوق والواجبات مع انتشار ظاهرة الأبناء غير الشرعيين الذين كانوا ينتسبون إلى أمهاتهم.
ولم تكن للمرأة عند الهنود في قوانين (مانو) أي حق من الحقوق، فهي خادمة فقط لزوجها أو لأبيها، ولا تملك الأهلية للتصرف في مالها، بل لم يكن لها حق في الملكية ذاته، إذ كل ما تملكه يعود إلى زوجها أو إلى أبيها أو إلى ولدها، وكانت إذا مات زوجها أحرقوها حية ودفنوها معه، وبقيت هذه الجريمة النكراء إلى عهد قريب. وكذلك كانت عند الرومان وعند اليونان، لا تملك لنفسها أمراً ولا نهياً، ولا يزيد وضعها عن وضع السلعة، وليس لها حق في الميراث، ولا في الملكية، ولا في التصرف.
أما المرأة في المجتمعات البسيطة التي لم يكن لها حضارات بارزة، فقد كانت تابعة للرجل، وكانت تقوم بأعمال خاصة ففي مجتمع الصيد والالتقاط كانت تقوم بوظيفة الأمومة، وبالطبخ، وجمع الحطب، وجلب الماء، والمشاركة في الالتقاط، أما الرجال فكانت مهمتهم الصيد، والدفاع عن الأسرة أو الجماعة ضد الكائنات الأخرى بما فيها الجماعات البشرية المعادية. وكان الرجال في بعض الشعوب المتوشحة يجتزون شعور النساء ليبيعوها، وكان الرجل يجمع من النساء ما شاء، ويطلق منهن ما شاء، وكان الزوج إذا مات تترمل زوجته حتى تموت، أما إذا ماتت فللرجل أن يتزوج، وقد بقيت آثار ذلك في بعض المجتمعات الشرقية، فما زال أهل الريف المصري ينظرون إلى المرأة التي تتزوج بعد موت زوجها نظرة فيها شيء من اللوم والازدراء.
* فاكس: 012283689 |