لدى تسلمه التقرير السنوي عن مسيرة (الحوار الوطني) في المملكة أكد سمو الأمير عبدالله على أهمية التمسك بالعقيدة الإسلامية وتعزيز الوحدة الوطنية إيماناً بالمساواة بين أبناء الوطن، كركيزتين أساسيتين لهذا الحوار.
والأمير عبدالله عندما يرفع شعار ترسيخ (الحوار)، ويدعو إلى الاحتكام إليه، ونحن على وشك الدخول إلى مرحلة جديدة من تنميتنا الاجتماعية والسياسية فهو يدرك تمام الإدراك أن من أهم مسؤولياته الراهنة كقيادي ومسؤول تتمحور حولَ (تثقيف) المواطن سياسياً، ليكون قادراً على الاضطلاع بما سيلقى على عاتقه من مسؤوليات جديدة؛ لاسيما والمملكة خلال الأشهر القريبة القادمة ستبدأ في مرحلة (الإصلاحات) الإدارية بالانتخابات البلدية كخطوة في طريق التطوير والمواكبة. وليس ثمة من شك أن (شرط الضرورة) في نجاح خطوة تاريخية كهذه تبدأ من تكريس (الوعي) لدىالمواطن الذي سيشارك في صناعة القرار، وضرورة أن يتعامل مع هذه المسؤولية بروية وتعقل، واضعاً مسؤولية البلاد وأهل البلاد أمام عينيه دائماً. ومثل هذا (التثقيف) لا يمكن أن يتأتى إلا من خلال الحوار، وتبادل وجهات النظر.
والحوار عندما يرفعه المسؤولون في المملكة لا يرفعونه للتصدير للخارج، ولا لمجرد كونه شعاراً سياسياً جذاباً، وإنما هو (منهج) تم اعتماده في الداخل كخيار استراتيجي عن قناعة من جهة، ومن جهة أخرى تلبية ومواكبة للمتغيرات التي أنتجتها خطط التنمية، وبالذات فيما يتعلق بتنمية المواطن السعودي، الذي أصبح اليوم على درجة من الوعي أكثر من أي وقت مضى، فكان من الطبيعي أن تواكب هذه التغيرات (تغيرات) في المقابل تمكنه من المشاركة تدريجياً في صناعة قرار بلده الحضاري..
ونحن نعرف -منذ البدء- أن الاتجاه نحو توسيع قاعدة المشاركة السياسية في المملكة قرار يكتنفه الكثير من المحاذير، ومثلما له من الإيجابيات ما نكاد نتفق عليها جميعاً، فإن له - أيضاً- من السلبيات ما يجب أن نتنبه إليها ونتوقعها، ونبادر إلى علاجها بمجرد ظهورها على السطح. غير أن ما يدعو إلى الاطمئنان والتفاؤل أن مثل هذا (القرار التاريخي) لم يأت من فراغ، ولم يكن نتيجة لاندفاع أو ارتجالية، بقدر ما كان بالفعل قراراً له من المبررات على أرض الواقع ما حتم على المسؤولين في القمة السياسية اتخاذه وفي هذا الوقت بالذات.
وهناك من المواطنين ممن يبدون بعض التخوفات من إشراك المواطن في صناعة قراره الوطني، على اعتبار أن من (المبكر) بَعْد اتخاذ مثل هذه الخطوة، ومتكأ حذرهم ينطلق من أن الإنسان السعودي، برغم كل الخطط التنموية التي شهدتها المملكة، مازال يحتاج إلى زمن إضافي أكبر حتى نضمن لهذه التجربة النجاح. غير أن القضية هنا كما هي في أي بلد آخر قضية تقديرية بحتة، مؤداها متى نبدأ، ومن أين نبدأ، وكيف نبدأ؛ وغني عن القول أن مثل هذه القضايا هي مثار جدل دائماً. ومهما اختلفنا على توقيت (البدء) بالمشاركة الشعبية في صناعة القرار فإننا لايمكن أن نتجاوز أن (التطور) هو سنة الحياة، والتغيير إذا كان له ما يبرره على أرض الواقع يصبح (ضرورة) ملحة وليس مجرد خيار. ومن الموضوعية القول إن المواطن في هذه البلاد قد تغير تغيراً (نوعياً) عميقاً منذ توحيد المملكة وحتى الآن؛ وليس أدل على ذلك من أن نسبة الأمية - مثلاً- لا تتجاوز الآن في المملكة الخمس عشرة بالمائة، إلى العشرين بالمائة على أسوأ تقدير، في حين كانت أكثر من (سبعين في المائة) قبل خمسين سنة. وهذا يعني أن جيلين (الابن وابن الابن) قد تأثروا سياسياً واقتصادياً وثقافياً، وقبل ذلك علمياً، بخطط التنمية التي شهدتها المملكة، الأمر الذي أدى بتلك النسب -أعني نسب الأمية- من الارتفاع الحاد في الماضي إلى الانخفاض الحاد الآن.
والتجارب السياسية- كما هو معروف- تعتمد دائماً على الدخول في (التجربة) ومن ثم تقويم الأخطاء؛ لأن الأخطاء والانحرافات لا يمكن بأي حال من الأحوال تفاديها تماماً؛ فالتجربة على الأرض تختلف دائماً عن التجربة على الورق، وستبقى كذلك مهما توخينا التريث والحيطة والحذر. لذلك فإن من الحكمة أن نبدأ، ونراقب، ونصلح، حتى نصل إلى بر الأمان.
وأنا مؤمن إيماناً راسخاً أننا يجبُ أن نملك من الشجاعة، والإقدام، والجرأة المحسوبة، بالقدر الذي يجعلنا نبدأ مسيرة التطوير والتحديث ونحن مطمئنون على أنها خطوة في (الاتجاه الصحيح)؛ لاسيما وأن هناك حقيقة لا يمكن تجاوزها بحال من الأحوال فحواها أن السلطة الحاكمة في المملكة (سلطة قوية) من جهة، ومن جهة أخرى تملك من الموثوقية، والصدقية، والشرعية التاريخية، ما يخولها في التحليل الأخير لاتخاذ مثل هذا القرار وهي واثقة من قدرتها على التحكم بتوجيه مساره وإصلاح آلياته إذا لزم الأمر. المهم أن نبدأ، ونحن مطمئنون على أنها تجربة، ونحن في حاجة إليها، وقادرون على تصحيحها على الأرض، وإصلاح ما يطرأ عليها من اعوجاجات بما يؤدي في النهاية إلى إنجاحها.
|