بدا أن مسيرة السلام في السودان تكتسب زخماً جديداً تمثل بشكل أساسي في تعهد طرفي الأزمة بالتوصل الى اتفاق نهائي قبل انقضاء العام الحالي يتوج عامين من المفاوضات المضنية والدقيقة، كما أن هذا الزخم يتمثل في الاجتماع التاريخي لمجلس الأمن الدولي لأول مرة منذ أربعة عشر عاماً خارج مقره الرسمي في نيويورك مع ما صاحب ذلك من لهجة امريكية متغيرة اسقطت هذه المرة اسلوب التهديد والوعيد واتبعت بدلا من ذلك وعوداً تشجيعية لطرفي السلام في الجنوب إذا أنجزا ما هو مطلوب منهما: اتفاق نهائي قبل نهاية العام الميلادي الجاري.
وفي الواقع فإن تحقيق السلام هو رغبة سودانية اكيدة، ولعل توقف القتال في الجنوب طوال ما يقارب العام منذ الاعلان عن وقف الاعمال العدائية يعكس إصراراً على تمهيد الاجواء للتسوية المنشودة، كما ان هناك الكثير من اجراءات بناء الثقة اخذت طريقها الى التطبيق على ارض الواقع، ويبقى ان الانجاز الكبير المتوقع خلال شهر من الان يحتاج فقط الى لمسات اخيرة لاظهاره في شكله النهائي.
وعلى كل فإن تلك البلاد لا تعاني من مشكلة الجنوب فقط فهناك الوضع المتفجر في اقليم دارفور الغربي أيضاً، غير ان القناعة السائدة لدى المهتمين والمنخرطين في امر النزاعات السودانية ان اتفاق الجنوب يمثل الصيغة المثلى لحلحلة كل تلك النزاعات، فالاتفاقيات او البروتكولات الست التي سبق توقيعها والتي تتناول اقتسام السلطة وتكامل القوات المسلحة وتقسيم عائدات النفط، هي التي تصلح لاعتمادها في بقية انحاء السودان، وليست فقط تلك التي تشهد صراعات وتوترات بل في جميع انحاء البلاد لاستباق المشاكل التي قد تنشأ، خصوصا وان المصاعب كلها تبدو من ذات الطبيعة في ذلك القطر المترامي الاطراف. إن التعهد الذي قدمه أمس طرفا السلام في السودان له مغزى كبير، ولم يكن ذلك ليتحقق الا عقب سنتين من المفاوضات المضنية التي غاصت الى عمق المشاكل وظهر خلالها اصرار شديد على الإحاطة بكل ما يمكن ان يمهد السبيل الى سلام حقيقي، كما ان هذا التعهد يكتسب اهمية كبرى بنظر الشهود الذين حضروه واولهم مجلس الامن بكامل هيئته الى جانب الحضور العربي والإفريقي الكبير، فضلاً عن تمثيل كامل ألوان الطيف السياسي السوداني، ولهذا ولغيره نقول إن نقلة حقيقية باتجاه السلام تتحقق الآن برعاية دولية مرموقة وبعيدا عن أجواء التهديد والوعيد التي لم تفلح من قبل في تحقيق السلام.
|