قبل أيام افتتح سمو الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني، مدينة الملك فهد الطبية.. وهذه المدينة الضخمة أنجزت قبل ثمانية عشر عاماً، وكانت جاهزة للعمل ومباشرة أعمالها واستقبال المرضى، وربما كانت الحالة المادية لا تعين على ذلك يومئذ، غير أن توقفها هذه السنين الطوال أدّى إلى ضعف طاقة الأداء في الأجهزة التي تدعم هذا الصرح الطبي، وتلك الأجهزة والمعدات كلفت ملايين الملايين!
* كنت أوثر تشغيل أقسام محدودة من هذه المدينة منذ إنجاز المشروع، وقد تقلب على كرسي وزارة الصحة خلال الحقبة الماضية وزيران، غير أنهما أناما المشروع، ولو سعيا إلى ولي الأمر ليأمر المالية بصرف المتاح، لتشغيل ما يمكن من الأقسام الطبية ويستفاد من الأجهزة والمعدات قبل أن تضعف من عدم التشغيل، ويستفيد المرضى من العلاج، وكذلك استصدار أمر بأن يدفع المريض نسبة من تكلفة الكشف والتحاليل والأشعة وبقية الأجهزة التي تسخر لذلك، غير أنه لم يتم شيء.. وكان يمكن الاستفادة من هذه المدينة قبل توسع مشروعات طبية في الرياض مثل : مستشفى الحرس الوطني، العسكري، والتوسعات في التخصصي.
* وتابعت كلمة وزير الصحة الحالي في حفل الافتتاح، وحين مرَّ بقضية عدم تشغيل هذه المدينة منذ إنجازها وإعدادها لاستقبال المرضى، مرَّ على استحياء مرور الكرام، دون الإشارة إلى تقصير وخطأ سابقيه، إن صح أن ينعت التقصير بتلك الكلمات العابرة، غير أننا تعوَّدنا السكوت والتجاوز عن أخطائنا، وإن أدى ذلك إلى خسائر وأضرار، لأننا متسامحون وغاضو الطرف في أشياء كُثر من أخطائنا وتقصيرنا، وكذلك تقصير وزارة المالية في عدم ضخ الدعم المالي لمشروع ضخم كلف إنشاؤه وتجهيزه مليارات الريالات، ليكون دعامة علاجية كبرى في عاصمة البلاد، ولم ينشأ ليقال ذلك، وإنما لهدف كبير كريم لخدمة الأمة، ونردِّد أن مقاييس رقي أي أمة: التعليم والصحة، فهل نحن ملتزمون بهذا المقياس والمستوى؟!
* هذه المدينة الطبية، لو قدِّر لها أن تؤدِّي رسالتها منذ إنجازها، لاستفاد منها الوطن وأهله عبر مراحل كما أشرت آنفاً.. وافتتاحها اليوم سيجعل أداءها دون ما كان يمكن أن يتحقق منذ عقدين، بعد التوسع الطبي الكبير في العاصمة اليوم.. وتشغيل هذه المدينة الطبية، يتطلب ميزانية ضخمة تصل حسب التقديرات إلى تسعمائة مليون ريال سنويا، فهل وزارة الصحة تستطيع أداء هذه النفقات الغالية؟ وكم أقيام الأجهزة الطبية والمختبرات بكل أنواعها التي لابد من توفيرها كبديل للتالف المتوقف عن العمل منذ التأسيس!
* إن القاعدة الشرعية تعلن: (من أتلف شيئا فعليه ضمانه).. والسؤال التلقائي: إلى متى نظل لا نحاسب ولا نسائل من يرتكب أخطاء في أعماله الموكلة إليه من الدولة، ويفرط في أمانته، وكل ذلك ينعكس على الوطن وأهله؟
* أكبر الظن أنه ينبغي أن يكون للأخطاء حدود لا تتجاوزها، وأن المتسبب في شيء منها لابد أن يحاسب ويعاقب، لأن ذلك حق، لكيلا يكون غض الطرف والتناسي والتسامح سبيل حياتنا في كل شيء، وعنوان ممارساتنا، فلا يبالي كثير منا، لأنه أمن العقاب والمساءلة.. وأي قيمة في الوطن ينبغي أن يحاسب المفرط فيها بكل أشكال التفريط، لأننا متهمون بالتقصير الذي يقود إلى أضرار وخسائر، نتاج تقصير وإهمال، لا تحدث عند الأمم الراقية والواعية على الكرة الأرضة، لأن العاملين هناك يتحملون مسؤولياتهم، ويعترفون بأخطائهم ويتحملون المغارم، لأن ذلك حق.. ونحن لاننال ولا نبحث إلا على المغانم، وهذه حال غير صحية وغير عادلة، وليس فيها وجه حق.. وشريعتنا تفرض سبل الحساب والعقاب، وقد أخذ الغرب بهذه السبل، لأنها تفضي إلى تقنين الحياة في كل أهدافها ومجرياتها، وبذلك نجحوا وارتقوا، وحققوا أهدافهم، لأنهم اتبعوا مبدأ القسطاس المستقيم، وياليت موازيننا تجنح إلى الأخذ بهذه المبادئ الحقة العادلة، لتستقيم حياتنا، ويحذر كل منا أن ينزلق أو يفرط في أمانته، حين يدرك أن وراءه حساباً في الدنيا قبل حساب الآخرة، قال تعالى: {وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } (47) سورة الأنبياء.
|