من حسن الحظ لم نعد نسمع شق بيت المتنبي الشهير (عيد بأية حال عدت يا عيد). فمنذ عدة أعياد ونحن نعيش تغيرات جعلت كل عيد يختلف عن الآخر مما فوت على حكيم العرب فرصة التعبير عن الحال. لا أتكلم عن حال الأمة الإسلامية أو العربية أو حتى السعودية. أتكلم فقط عن مجتمع مدينة الرياض الذي بدأ يشهد بعض الانفراجات الموسمية.
صار الناس الذين لا يملكون المال أو الفرصة للسفر في إجازة العيد يجدون ما يعبئ فراغات أوقاتهم. احتفالات متنوعة جعلت الجميع في حيرة مع المتعة. أهمها على كافة المستويات هذا العدد الوافر من المسرحيات المرصعة بالنجوم. أعتقد أنها نقلة تاريخية. فقد تعود سكان الرياض على اعتبار أن إجازة العيد مخصصة للسفر. أعرف كثيراً من الناس يضع لها برنامجاً خاصاً يراعي طبيعة الوقت والطقس وعدد الأيام. فتجد أن معظم سكان الرياض يحبون قضاء إجازة العيد إما في مدن المملكة المختلفة أو في الدول المجاورة مرجئين السفرات البعيدة للإجازات الطويلة. كاد السفر يصبح جزءاً من عادات أهل الرياض. هذه الهجمة الممتعة من الأمانة أربكت هذه العادة. وجعلت كثيراً من الناس يؤثرون البقاء في المدينة طالما أنها توفر لهم ولأطفالهم شيئاً من المتعة.
صحيح أن العيد هو خلاصة السعادة على المستوى الديني والدنيوي. والاهتمام به يعني الكثير. لكن المتعة هي جزء أساسي من طبيعة الإنسان وخاصة الإنسان الحديث. فالإنسان خلق ليعيش وليستمتع بالعيش. تغير نمط العيش في العصر الحديث غير من حاجات الإنسان وجعل مطلب المتعة شيئاً ضرورياً لمصلحة العمل والصحة.
نسمع أن معدلات الأمراض المزمنة (كالسكر والضغط وغيرها) عالية جداً في المملكة وربما كانت الأعلى في العالم. هناك أسباب كثيرة لهذه الظاهرة مثل التغير في نمط الأكل ونمط العمل لكن هناك سبباً آخراً لابد أن يضاف إلى هذه الأسباب قلما تحدثنا عنه رغم خطورته إن لم يكن هو الأخطر وأعني الضغوط. البيئة السعودية الحديثة تفتقر إلى شيء اسمه المتعة. على مدى سنوات وبدون كلل أو ملل ربط جماعات التزمت الديني بين المتعة وبين الفساد. فالمسرح يعني الكباريه والسينما تعني الأفلام الخليعة والموسيقى تفسد القلوب إلخ. ولولا أن الحكومة فرضت التلفزيون والإذاعة بقوة السلاح لكانت نشرة الأحوال الجوية مفسدة ما بعدها مفسدة. الشيء الغريب أن مدينة الرياض هي بؤرة هذا التوجه المعادي للمتعة. فهي كما نلاحظ آخر حاضرة سعودية يطالها التغيير في مسألة الترويح عن النفس رغم أنها أكبر مدينة جاذبة للعمل ولسكان المملكة المختلفة والأكثر نمواً. تنوع مدينة الرياض وتنوع سكانها ونموها المتسارع يفترض أن يجعلها أكثر المدن انفتاحاً على كافة الاتجاهات. أعتقد أنه حان الوقت للإفراج عن الحقائق المتعلقة بالصحة النفسية في مدينة الرياض ليقرأ الناس أوضاعهم بالطريقة الصحيحة. معدلات الانتحار بين الفتيات. معدلات الطلاق. معدلات زيارة الأطباء النفسيين. معدلات اللجوء إلى المشعوذين ومن في حكمهم. عندما تطرح هذه الحقائق وتناقش بروح العلم الحديث (لا غيره) سنعرف أن المتعة ليست مجرد مسألة سياحية تنافسية وإنما هي حاجة تولد مع الإنسان تحتاج إلى إشباع مثلها مثل حاجات الإنسان الأخرى.
لم نعد في حاجة للتحايل السنوي لنجعل الرياض في مكانها الطليعي بين المدن العالمية. الذي حضر المسرحيات في أيام العيد سيعرف أن سكان الرياض السعوديين يعشقون المسرح ويعشقون الفن. هذا يؤكد ارتفاع مستوى الوعي بين الناس. لا داعي لمزيد من الانتظار ومجاملة المتزمتين على حساب صحة الناس وعافيتهم.
فاكس 4702164
|