Saturday 20th November,200411741العددالسبت 8 ,شوال 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "محليــات"

روى التفاصيل والحقائق كاملة في رسالة لـ« الجزيرة » روى التفاصيل والحقائق كاملة في رسالة لـ« الجزيرة »
العودة: ابني لم يذهب للجهاد في العراق إطلاقاً وإنما في رحلة برية مع أصدقائه
أبلغنا الدفاع المدني عن تأخُّرهم في الصحراء.. والأمير محمد بن نايف أرسل طائرة للبحث عنهم

* بريدة - ناصر الفهيد:
روى الشيخ سلمان بن فهد العودة الحقائق الكاملة لأنباء مزعومة تردَّدت عن ذهاب ابنه معاذ للجهاد في العراق. ونفى الشيخ العودة ما أُشيع بشكل قطعي حول ذلك، أو أن ابنه قد ترك رسالة يبلغ فيها زوجته عزمه على الذهاب مع أصدقاء له للجهاد هناك.
وقال: (كل ما في الأمر أن الابن معاذ) ذهب في رحلة برية يومي العيد إلى صحراء (جبَّة) كغيره من الشباب.
إلى تفاصيل ما رواه الشيخ سلمان العوده في رسالته ل(الجزيرة).
بسم الله الرحمن الرحيم
أُحسُّ بثقل القلم حين أحمله لتصحيح الصورة في مسألة شخصية عادية تم تناولها بغير أمانة ولا مسؤولية.
لكن ما حيلتي حين تُكتب الأكاذيب بخطوط عريضة مشفوعة بعلامات التعجب والاستفهام وعبارات السخرية المريرة! بعيداً عن مراعاة المهنية والمسؤولية.
وأي قائمة ل(وطن) تقوم علاقة أهله على التكاذب والوقيعة والدس والصراع؟!
وأي قيمة لإثارة على افتراض أن الهدف الإثارة فحسب، وليس وراء الأكمة ما وراءها، إذا كنت تنهش من سكينة الناس وهدوئهم ومصداقيتهم؟!
يكذب (ابن الوطن) حين يزعم أن معاذاً ترك رسالة في البيت يفيد فيها بالتوجه إلى العراق للمشاركة في الجهاد!
هذه اسمها (فرية)، وليس بيني وبين ابني وسيط ليتبرع بتلفيق الأكاذيب وحياكتها، كل ما في الأمر أن معاذاً واثنين من أصدقائه استأذنوا لقضاء يومي العيد في صحراء (جبة)؛ حيث يحبون الصحراء كغيرهم من الشباب. وقبل دخول المنطقة أرسل لزوجته رسالة بالجوال (حللونا وأنتم بحل). ودخل الشباب منطقة لا بث فيها، وبدأت مشاعر الزوجية تتفاعل، ثم اتصلت بمشاعر الأبوة التي تخيلت هؤلاء الشباب في قبضة العطش في صحراء لا مسعف فيها، وربما علقت سيارتهم بالرمال أو تعرضوا لحادث أو قطع طريق.
وتم تبليغ الدفاع المدني الذي أرسل طائرة بأمر من الأمير محمد بن نايف - جزاه الله كل خير- لتمشيط المنطقة، ولم تجد شيئاً.
وفي هذه الأثناء اتصل معاذ وأصدقاؤه، فقد انتهت رحلتهم الممتعة دون أن يشعروا بشيء، ووصلوا إلى منطقة الإرسال، فأخبرته بما حدث وطلبتُ أن يذهبوا إلى أقرب مركز ليتم رفع الحالة المتعلقة بهم. وهكذا كان، حيث ذهبوا إلى مركز شرطة جبة وعرَّفوا أنفسهم لهم، وبعد ساعة انتقلوا إلى إدارة الأمن الوقائي بحائل ومكثوا فيه حوالي ثلاث ساعات قبل أن ينطلقوا إلى أهليهم بسلام.
إن فرضية الذهاب إلى العراق وهمٌ صنعته بعض النفوس المريضة حتى يكون للقضية معنى، وإلا فكيف يذهبون للعراق ويتركون جوازاتهم في بيوتهم؟ وكيف يخاطب زوجته ويغفل عن أبويه؟!
لكن أي طعم لهذه القصة إذا سحبت منها هذه الكذبة! إنها سر الرواية وعقدتها، إن العلاقة مع الأبناء تقوم على الإقناع والفهم المشترك وصناعة التفكير الهادئ المتزن، وليس على المنع والحجر، وهذا هو الواقع بحمد الله.
إن ابني سجلٌّ مفتوح، ليس بالنسبة لي فحسب، بل لزوجته وأصدقائه وأقاربه، وكلهم يعرفون كيف يفكر وبماذا يفكر وأين يذهب، ولا مكان هنا بحمد الله للمفاجآت.
أما أنني أحثُّ الشباب على الجهاد في العراق (ويا زمن العجائب!) فإن موقفي في هذه المسألة واضح إلى درجة الإملال، فقد أصدرت فيه فتوى قوية بتاريخ 17-1- 1424هـ، ثم كرَّرت ذلك في قناة العربية مرات، وفي الجزيرة والمجد، وفي موقع الإسلام اليوم. وهو موقف معروف منذ الحرب الأفغانية الأولى فضلاً عما بعدها.
ومرفق مع الإيضاح جواب لأحد الإخوة كُتب بُعَيْد الغزو الأمريكي للعراق يؤكد أننا نحذِّر الشباب في البلاد الإسلامية من الذهاب إلى العراق، وقد استنفدْتُ إمكانيتي وقدرتي في الإقناع لصرف الشباب عن هذا. أما الجهود الشخصية الخاصة فيعلمها الشباب الذين نجلس معهم بالساعات لإقناعهم.
أما إذا كان مقصود المتحدث أن يستكثر علينا أن نقول بأن من حق الشعب العراقي أن يقاوم لنيل استقلاله بالطريقة التي تناسب إمكانياته وتحقق مصالحه، فهذا شيء يكاد يتفق عليه الجميع، وجاءت به الشرائع الإسلامية كلها، وأقرَّته مواثيق الأمم المتحدة، وما زالت حركات التحرير الإسلامية من الاستعمار صفحة بيضاء في تاريخنا الحديث تدرَّس لأجيالنا لاستنطاق العبرة.
وبين هذا وذاك فرق بيِّنٌ.
وأشكر كلَّ مَن تفاعل مع هذه القضية بالنبل والأخلاق الكريمة، وهم بحمد الله الأكثرون، بعيداً عمن يريد أن يجعل من معاناة الآخرين أو مواقفهم الصعبة فرصةً للتشفي والتشهير، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وهو المستعان على ما يصفون.
** وللشيخ سلمان بن فهد العودة مواقف معروفة وصريحة تماماً من الذهاب للعراق. ومن ذلك ما أجاب به أحد الشباب حينما سأله
أنا أب لأربعة أولاد، وأريد أن أذهب للعراق مجاهداً، لأدافع عن إخوتي المسلمين..
سؤالي: إذا ذهبت هناك بنية نيل رضوان الله ثم تم قتلي فهل أكون شهيداً؟ عندي حياة واحدة فقط، ولا أريد أن أضيعها، أريد الجواب مؤيداً من الكتاب والسنة، وأقوال السلف الصالح؟؟
فأجاب الشيخ العودة.. بما يلي:
أولاً: إذا لم نتصارح ونتعامل بالصدق التام فيما بيننا في مثل هذه الظروف الحرجة البالغة الخطورة فلا خير فينا!
ولا أزعم - أيها الأخ الحبيب - أن ما أقول لك هو بالضرورة صواب، ولكنني أؤكد لك أن الحامل عليه هو ما يعلمه الله في قلوبنا من الشح بدماء المسلمين وأرواحهم، والحدب عليهم، وتلمس مصلحتهم العاجلة والآجلة.
ولا أحد من المسلمين إلا وفي قلبه من الحنق والغيظ على هذا العدوان الفاجر ما يكاد أن يودي بسكينته وعافيته، وكفى بالقهر داء.
ولكننا لا نريد أن نزيد في المحنة بزهوق أرواح خلص أتقياء صلحاء ذوي نيات طيبة، دون أن يكون في ذلك نكاية بالعدو.
إن الله تعالى يحب حياة المؤمنين وبقاءهم وعبادتهم وصلاتهم وقرآنهم، ولذلك خلقهم، ولا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا، وخيركم من طال عمره وحسن عمله.
فرحيل المؤمن عن هذه الدار ليس مطلوباً بذاته، ولكن يشرع حين تترتب عليه مصلحة أعظم من مصلحة بقائه، فإذا عدمت هذه المصلحة أو ضعفت وجب تقديم اعتبار الحياة والبقاء.
وقبل أن أستطرد أنقل لك هذين النصين من كلام الإمام الفقيه العز بن عبدالسلام في كتابه (قواعد الأحكام في مصالح الأنام) ج1 ص95:
- قال -رحمه الله-: (انهزام المسلمين من الكافرين مفسدة، لكنه جائز إذا زاد الكافرون على ضعف المسلمين، مع التقارب في الصفات تخفيفاً عنهم، لما في ذلك من المشقة ودفعاً لمفسدة غلبة الكافرين لفرط كثرتهم على المسلمين. وكذلك التحرف لقتال، والتحيز إلى فئة مقاتلة بنية أن يقاتل المتحيز معهم، لأنهما وإن كان إدباراً إلا أنهما نوع من الإقبال على القتال).
- وقال- رحمه الله-: (التولي يوم الزحف مفسدة كبيرة، لكنه واجب إذا علم انه يُقتل من غير نكاية في الكفار، لأن التغرير بالنفوس إنما جاز لما فيه من مصلحة إعزاز الدين بالنكاية في المشركين، فإذا لم تحصل النكاية وجب الانهزام، لما في الثبوت من فوات النفوس مع شفاء صدور الكفار وإرغام أهل الإسلام وقد صار الثبوت ههنا مفسدة محضة ليس في طيها مصلحة).
إن من الحق والعدل ان يدافع الشعب العراقي قدر مستطاعه عن دينه وأرضه وعرضه وخيراته، ونحن على ثقة أن دخول الإدارة الأمريكية في هذا المستنقع خطأ غير محسوب، وان الأحداث ستثبت على المدى الطويل أن الأمر كان حماقة من غير مجرب.
لكننا لا نرى ما يدعو إلى ذهاب أحد من المسلمين إلى العراق للمشاركة في الحرب لأسباب منها:
1 - معظم الحرب سيكون ضربات جوية مدمرة، وهذه يستوي عندها أن تقتل ألفاً أو مائة ألف، والآلة ستكون ذات أثر في حسم نتيجة المعركة على المدى القصير.
2 - أهل مكة أدرى بشعابها وظروفها وطبيعتها الجغرافية، وليس بالناس حاجة إلى الكثرة العددية، وربما كان الذاهب عبئاً عليهم بدلا من أن يكون عوناً لهم.
3 - ربما استشرف العدو وتمنى القبض على بعض المتطوعين في العراق لغايات سياسية وإعلامية ومصالح داخلية وخارجية، وقد تنقطع ببعض الذاهبين السبل ويقعون في أيدي من لا يخاف الله ولا يراقبه.
4 - عدم وضوح الصورة العملية للحرب الآن، وماذا ستكون عليه؟ وهل ستطول أم تحسم عاجلاً، وكيف سيكون الوضع الداخلي... فهذه وأمثالها اعتبارات ذات أهمية، وبالتزام شيء من الصبر وضبط النفس فقد تنجلي عن نتائج لها تأثير في القرار.
5 - ثمت قوى متصارعة متناقضة، وكلها مخوف، ومن نجا من هذه فربما لم ينج عن تلك، فالقوات الغازية من جهة، والمعارضة الموالية للغرب من جهة أخرى، وبعض القوى المحلية الطائفية أو العرقية، وبعض الجيران المتربصين، وبعض الأطراف المرتبطة بالنظام... والذاهب يسير بين هذه القوى وكأنما هو في حقل ألغام، إن أخطأه هذا أصابه ذاك، وقد يجد نفسه في طريق لم يقصد إليه ولم يرده.
6 - من الصدق أن نقول لإخواننا: على رغم المرارة والهزيمة النفسية إلا أن الأمة يجب ألا توقف مشاريعها المستقبلية الفردية والجماعية بسبب الأزمة، بل يجب أن نجتهد في صناعة المستقبل وأداء الأفعال المثمرة المنتجة، ولو لم تكن ذات ارتباط مباشر بالحدث.
وهذا لا يعارض أن نعطي الأزمة المتفاقمة مزيداً من جهدنا ومتابعتنا واهتمامنا وكلماتنا ومواقفنا ودعواتنا ومشاعرنا.
7 - سيكون إخواننا بأمس الحاجة إلينا فيما نملك تقديمه لهم وإعانتهم به بحسب ما يتطلبه المقام، فهذه الحرب الظالمة ستخلف أعداداً هائلة من الجرحى والمشردين واللاجئين والفقراء والأيتام والأرامل والمحطمين.
فلنصدق الله تعالى في مواساتهم، ومداواة جراحهم، ومشاركتهم بكل ما نملك، والوقوف إلى جانبهم، والتلطف في دعوتهم وتوجيههم.
8 - لسنا نعلم بالضبط ما تريد القوات الغازية بهذه الأمة بعد العراق.. وأين تضع عينها.. فلها مطامع في كل بلد، وهي تسير وفق خطة غامضة يشارك في صناعتها اليهود، ومن الخير والحكمة أن يكون لنا من بُعد النظر وطول النفس ورباطة الجأش وحسن التخطيط ما نعلم به جيداً أين موضع أقدامنا.. فإن أي عمل لا يكون مبنياً على رؤية جيدة ونظرة بعيدة قد لا يعطي النتائج المطلوبة، بل ضر ولم ينفع!
هذا ما أراه اجتهاداً في هذه المسألة الخاصة، المتعلقة بذهاب بعض الشباب وغيرهم للقتال في العراق.
والله يشهد أنني ما قلت الذي قلت إلا محضاً للنصيحة وإعذاراً.
وإذا كان الأمر كذلك فإنني أسأل الله أن يشرح صدور الإخوة المؤمنين لما كان فيه من حق وصواب، وأن يهدينا جميعاً إلى سواء السبيل، ونسأل الله سبحانه أن يكف بأس الذين كفروا، والله أشد بأساً وأشد تنكيلاً، والعاقبة للمتقين.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved