Saturday 20th November,200411741العددالسبت 8 ,شوال 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

انتخابات المجالس البلدية واختصاصاتها انتخابات المجالس البلدية واختصاصاتها
د.صالح بن عبد الله المالك ( * )

يحسن بنا قبل الدخول في الحديث عن انتخابات المجالس البلدية واختصاصاتها أن نلقي الضوء بصورة واضحة على مسيرة المجالس البلدية والأهلية ومجالس العموم والشورى ومجالس المناطق في المملكة لنتعرف من خلال هذا العرض السريع على تجارب المملكة في الانتخابات، وإشراك فئات من المؤهلين في صنع القرارات السياسية والإدارية على مدى ما يزيد على ثمانين عاماً.
أولاً: المجلس الأهلي عام 1343هـ:
عند دخول الملك عبد العزيز (رحمه الله) مكة المكرمة أمر بتكوين (مجلس أهلي) يتكون من 12 عضواً يختارهم المواطنون لمساعدته في إدارة شئون العاصمة المقدسة، وتم ذلك عند دخوله لها عام 1343هـ. وقد تطور هذا المجلس وامتد أفقياً ليشمل كامل المنطقة الحجازية.
فإضافة إلى مكة المكرمة، امتدت فكرة تطبيق المجالس الأهلية لتشمل المدينة المنورة وجدة وينبع والطائف، وشارك في هذه المجالس الأهلية نخبة من العلماء والأدباء والمفكرين ورجال الأعمال (التجار). وكانت هذه المجالس الأهلية هي النواة الأولى لباقي المجالس المدنية.
ومن المؤمل أن تحصل المجالس البلدية التي سوف تمارس أعمالها قريباً إن شاء الله على صلاحيات تتناسب ورغبة الدولة في قيام هذه المجالس بما يناط بها من مسؤوليات في الرقابة والإشراف والاشتراك في صنع القرارات جنباً إلى جنب مع إدارات البلدية ومسؤوليها.
جميع الدول تمر بسلسلة متتابعة من الأشكال المختلفة للتمثيل الشعبي، سواء على شكل مجالس الأعيان أو المجالس الأهلية أو المحلية أو مجلس الشورى أو المجالس البلدية أو مجلس الأمة أو مجلس الشعب أو مجلس العموم أو مجلس النواب أو مجلس الشيوخ، والمملكة العربية السعودية ليست استثناءً من هذه التجارب المتنوعة.
ثانياً: مجلس الشورى في تكوينه الأول:
في 9-1-1346هـ أصدر الملك عبد العزيز أمره بانتخاب أعضاء لمجلس الشورى وجاء في مادته الأولى ما يلي:
يتألف مجلس الشورى من ثمانية أعضاء ينتخبون.
وجاء في المادة الثالثة: يكون انتخاب أعضاء مجلس الشورى على الصورة الآتية:
أولاً: أربعة أعضاء تنتخبهم الحكومة بعد استشارة أهل الفضل والخبرة.
ثانياً: أربعة أعضاء تنتخبهم الحكومة بمعرفتها.
المادة السادسة: الأعمال التي تعرضها الحكومة على المجلس هي:
موازنات دوائر الحكومة والبلدية وعين زبيدة والمشاريع المالية والاقتصادية والامتيازات ونزع الملكية للمنفعة العامة والعقود مع الشركات أو التجار.
ثالثاً: النظام العام لأمانة العاصمة والبلديات:
صدر بتاريخ 20-7-1357هـ.
يبين هذا النظام تشكيلات أمانة العاصمة والمجالس البلدية وواجبات كل منها وطريقة توزيع الأعمال والقيام بها ومن ذلك: (انتخاب وترشيح رؤساء الحرف والصنائع ومراقبة أعمالهم).
كما أوضح النظام العلاقة بين البلدية والمجلس الإداري والمجلس البلدي على النحو الآتي:
* تنظيم الميزانية السنوية في المجلس الإداري، وعرضها على المجلس البلدي.
* تقديم بيان عام للمجلس البلدي سنوياً يوضح فيه جميع الأعمال التي قامت بها البلدية، وكذلك إجابة المجلس البلدي عن كل ما يطلب الإجابة عليه من الأمور الخاصة بالبلدية.
كما نص هذا النظام على أن المجلس البلدي يتألف في كل بلدة بطريق الانتخاب، وأن انتخاب أعضاء المجلس البلدي يكون وفق نظام الانتخاب العام، وأن ينتخب المجلس من بين أعضائه بالاقتراع السري رئيساً ونائباً. ونص النظام على أن المجلس البلدي يختص بالنظر في الأمور الآتية:
مشروع الميزانية، والمشاريع، والعقود والمقاولات ودراسة الأنظمة والتعليمات، والرسوم وتقرير تعديلها زيادة ونقصاناً.
رابعاً: مجلس العموم:
ليلة 19-20 في شهر ذي الحجة من عام 1354هـ أصدر الملك عبد العزيز أمره العالي بالموافقة على ما قرره مجلس الوكلاء في 19- 20- 12-1354هـ بتكوين مجلس العموم (أو المجلس العمومي) وقد تم تقديم اقتراح في هذا الشأن يقضي بانتخاب ممثل عن كل قضاء في المملكة يجتمعون بصفة مجلس عام للبلد، وأن مجلس الوكلاء قد وافق على هذا الاقتراح، ولكن لصعوبة تطبيقه في ذلك العام قرر أن يجري تعيين الأعضاء لمدة سنة واحدة، وخلال هذه السنة تتم الترتيبات اللازمة لجمع المجلس العمومي بموجب الاقتراح سالف الذكر، وأن جلالة الملك المعظم يأمر بالشروع في وضع النظام اللازم لذلك، ورفعه ليجري اللازم بعده في تهيئة الأسباب لاجتماع المجلس المشار إليه في العام المقبل.
خامساً: المجلس البلدي بالرياض:
في أول عدد من صحيفة الجزيرة بعد أن أصبح إصدارها يومياً وتحديداً بتاريخ 20-2-1384هـ الموافق 30-6-1964م كان هناك تصريح لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض جاء فيه:
(من الواضح أن أعضاء المجلس البلدي سيختارهم المواطنون عن طريق الانتخاب الذي يعد بوتقة تنصهر فيها العناصر الشعبية الطيبة لتنتخب عضواً عنها تتمثل فيه الكفاية واللياقة ورجاحة العقل، كي يكون همزة وصل بين الدولة والمواطنين، يتكلم بلسان حالهم، ويطالب بما تحتاجه محلته بوجه خاص، وما تحتاجه مدينة الرياض بوجه عام.
وما دام أن الانتخاب يتوقف على إقبال جموع المواطنين لاختيار الأعضاء فإن نجاح وفشل فكرة المجلس البلدي مسألة تتعلق بالمواطن. ولا شك أننا ما أقدمنا على هذه الخطوة إلا ونحن متأكدون أن المواطنين في الرياض لديهم الوعي وحب المشاركة والتعاون بما يجعلنا نجزم بأن المجلس البلدي سيعتبر حقيقة واقعة إن شاء الله).
سادساً: نظام البلديات والقرى:
صدر بتاريخ 21-2-1397هـ ويقع في 49 مادة، وخُصصت المواد من 6 إلى 27 للحديث عن المجالس البلدية، ونص النظام على أن السلطات في البلديات تتولاها جهتان:
أ - المجلس البلدي ويمارس سلطة التقرير والمراقبة.
ب - رئيس البلدية ويمارس سلطة التنفيذ بمعاونة أجهزة البلدية.
وجاء في هذا النظام أن وزير الشؤون البلدية والقروية يحدد بقرار منه عدد أعضاء المجلس البلدي في كل بلدية على ألا يقل عن أربعة ولا يزيد على أربعة عشر عضواً، ويكون من بينهم رئيس البلدية، وأن يتم اختيار نصف الأعضاء بالانتخاب، ويختار وزير الشئون البلدية والقروية النصف الآخر من ذوي الكفاءة والأهلية، وأن يختار المجلس البلدي رئيسه ونائبه بصفة دورية لمدة سنتين.
ويتساءل البعض عن أسباب انتخاب نصف الأعضاء فقط وعدم انتخابهم جميعهم، والجواب على ذلك أن انتخاب جميع الأعضاء قد لا يحقق التوازن المطلوب في أعضاء المجلس البلدي الذي يتطلب كفاءات متنوعة في أعمال البلديات مثل المختصين في الإدارة المحلية وتخطيط المدن والحاسب الآلي ونظافة المدن وصحة البيئة والتنمية العمرانية والتطوير الحضري والريفي مما يتيح لولي الأمر ممثلاً في هذه الحالة بوزير الشؤون البلدية والقروية أن يعين من يراه مكملاً للأعضاء المنتخبين ممن هم قادرون على الإسهام الفاعل والمشاركة الإيجابية في كل أبعادها المتنوعة - جنباً إلى جنب - مع رئيس البلدية وموظفيها وأجهزتها المختلفة والقيام بالدور المؤمل منهم لتلبية توقعات المسؤولين وطموحات المواطنين.
أما الشروط الواجب توافرها في عضو المجلس البلدي فمنها: أن يكون سعودياً متماً 25 سنة، ومقيماً إقامة دائمة في نطاق البلدية طوال مدة عضويته وغير محكوم عليه بحد شرعي، ومجيداً للقراءة والكتابة، ومتمتعاً بالأهلية الشرعية.
أما موانع الترشيح لعضوية المجلس البلدي فهي: أن يكون موظفاً في البلدية، أو أن يكون مقاولاً لأعمال البلدية، أو أن يكون مديراً لشركة لها علاقة بأعمال البلدية.
أما شروط الناخب فقد وردت في لائحة انتخاب أعضاء المجالس البلدية وتحديداً في المادة الثالثة والمتضمنة ألا يقل عمره عن إحدى وعشرين سنة، وألا يكون من العسكريين العاملين، وأن يكون مقيماً في نطاق المجلس البلدي الذي يباشر فيه الانتخاب خلال الاثني عشر شهراً السابقة لموعد الاقتراع.
وقد تساءل البعض أيضاً عن عدم السماح لبعض الفئات في الانتخابات البلدية مثل العسكريين العاملين ومن هم دون سن الحادية والعشرين، وللإجابة على ذلك فإن المملكة ليست الدولة الوحيدة التي استثنت العسكريين العاملين لما لطبيعة عملهم من تنقلات جغرافية وعدم استقرارهم في مكان ثابت يتيح لهم فرصة التعرف بشكل قريب على المرشحين.
أما من هم دون الحادية والعشرين من العمر فإن الدول تختلف في تحديد عمر الناخب، فهناك دول تتخذ الثامنة عشرة من العمر فاصلاً زمنياً للأهلية للانتخابات، وهناك دول تزيد عن هذه السن وهناك أخرى تقل عن هذا العمر.
وطالما أن استثناء هؤلاء وغيرهم تم بموجب اللائحة التنفيذية أو التعليمات المنبثقة منها -وهما عرضة للتعديل أو الإضافة أو الحذف أو الإلغاء بعد اقتناع المسؤولين من خلال التجربة الفعلية والدراسات الميدانية- فإنه ليس من المستبعد أن تتغير بعض التعليمات المتعلقة بشروط الناخبين في الدورات الانتخابية القادمة.
أما اختصاصات المجلس البلدي فقد جاءت في المادة (23) من هذا النظام ومنها:
أ - إعداد مشروع الميزانية.
ب - إقرار الحساب الختامي بقصد رفعه للجهات المختصة.
ج - إعداد مشروع المخطط التنظيمي للبلدية.
واقتراح مقدار الرسوم والغرامات بما زاد عن 100 ريال، أما ما قل عن ذلك فللمجلس تحديدها، ومراقبة الإيرادات والمصروفات، واقتراح مشاريع نزع الملكية للمنفعة العامة، وكذلك المشاريع العمرانية ومراقبة سير أعمال البلدية والعمل على رفع كفاءتها، ويحدد وزير الشئون البلدية والقروية بلائحة تصدر منه المكافآت الشهرية لرؤساء وأعضاء المجالس البلدية أو اللجان التي تقوم مقامها، وكذلك نفقات الانتداب والانتقال.
ويتساءل الكثير عن الفرق بين اختصاصات المجلس البلدي واختصاصات مجلس المنطقة، ويمكن للمهتمين المقارنة بين هذين الأمرين بالرجوع إلى المادة 23 في كلٍ من نظام المناطق ونظام البلديات والقرى.
ولعرض الصورة بشكل سريع فإن مجلس المنطقة يختص بدراسة كل ما من شأنه رفع مستوى الخدمات في المنطقة وليس في البلدة الواحدة فقط، وله على وجه الخصوص ما يلي:
أ - تحديد احتياجات المنطقة واقتراح إدراجها في خطة التنمية للدولة.
ب - تحديد المشاريع النافعة حسب أولوياتها، واقتراح اعتمادها في ميزانية الدولة السنوية، ولا يقتصر اختصاصه - كما هو الحال في المجلس البلدي - على المشروعات البلدية.
ج - دراسة المخططات التنظيمية لمدن وقرى المنطقة ومتابعة تنفيذها بعد اعتمادها.
د - متابعة تنفيذ ما يخص المنطقة من خطة التنمية والموازنة والتنسيق في ذلك.
ومن يريد المزيد من معرفة الفرق بين اختصاصات المجلسين فيمكنه الرجوع إلى مواد كلٍ من هذين النظامين.
وعند الحديث عن الانتخابات البلدية لابد من توطين آليات الانتخابات وتقاليدها، وتعميم ثقافة الانتخابات ليس بين النخب المتعلمة ولكن بين جميع المواطنين ممن تنطبق عليهم أو سوف تنطبق عليهم مؤهلات الانتخابات واللوائح التنفيذية والتعليمات اللازمة للاقتراع وفرز الأصوات وهلم جرّا. لابد أن نملك ثقافة متجذرة وعميقة وواسعة لمدلول الانتخاب وآلياته.
على أننا يجب أن نأخذ الانتخابات كوسيلة صحيحة للوصول إلى أهداف نبيلة، وتلك الأهداف هي التي تسعى إليها الدولة بما تحققه من مشاركة شعبية في صنع القرارات المختلفة.
وهنا يجب أن نكون حذرين في طريقة أداء الانتخابات وصحتها وسلامتها ونزاهتها من أجل الحصول على انتخاب المرشح الكفء النزيه الذي تأمل الحكومة جنباً إلى جنب مع المواطنين حصوله على الأصوات اللازمة لنجاحه في المقعد المطلوب لعضوية المجلس البلدي، إذ إن الانتخابات البلدية لبنة أساسية ومرحلية في الإصلاح السياسي والتنمية السياسية.
ستبدأ الانتخابات بعد بضعة أشهر وهي مرحلة ليست طويلة في عمر الدولة، وقد تم الآن إقرار آليات الانتخابات من خلال اللائحة التنفيذية التي أصدرها وزير الشؤون البلدية والقروية. وما يتبع ذلك أو يصاحبه من نشر ثقافة الانتخابات بكل الوسائل بين أفراد الشعب.
هذه الانتخابات البلدية تعد تحدياً كبيراً للمواطنين بأنهم أهل للمشاركة الشعبية والسياسية في بناء مؤسسات المجتمع المدني ومأسسة صنع القرارات، التي تسعى الانتخابات إلى ترسيخها.
ومن المؤكد أن هذه المؤسسات سوف تتحمل جزءاً كبيراً من هموم الدولة وسوف تخفف عن كثير من الأجهزة الحكومية أعباءها البيروقراطية.
تجب الإشارة هنا إلى أن ثقافة الانتخابات ليست غريبة على المجتمع الإسلامي، الذي شهد أول برلمان في سقيفة بني ساعدة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم عندما اجتمع المهاجرون والأنصار وبايعوا أبا بكر الصديق رضي الله عنه، كما أن هذه الثقافة ليست غريبة على المملكة وعلى النظام الاجتماعي والسياسي فيها كما حدث في عهد الملك عبد العزيز عندما كان مجلس الشورى والمجلس البلدي يخضعان لأسلوب مشابه لما ورد في قرار مجلس الوزراء الأخير المتضمن إجراء الانتخابات البلدية.
وجدير بالذكر هنا أن اتباع الطرق الانتخابية السليمة سيتمخض عنه انفتاح المجتمع ومن ثم سيقضي على التقاعس واللا مبالاة.
ويجب التنويه هنا إلى أن اللجان المختلفة المسؤولة عن الانتخابات على مستوى المملكة أو مستوى المناطق أو المدن والقرى تسعى - بتوجيه من ولاة الأمر - إلى تنوير الناس وتبصيرهم بأهداف المجالس البلدية ورسالتها وحقوقها وواجباتها ومسؤولياتها وأهميتها حتى يتناسب مايقوم به المواطن من تزكية لمرشح معين مع ما ينتظره من أداء الواجبات ومدى قدرته على تنفيذ ما وقعت عليه الثقة بتنفيذه للصالح العام.
وفي هذا السياق فإن رسالتي الأخيرة للمرشحين لعضوية المجالس البلدية أن يكون نبراسهم وقدوتهم في الاقدام على هذه الخطوة المباركة هو رسول الله ونبيه يوسف عليه السلام الذي قال الله في محكم التنزيل على لسانه مخاطباً ملك مصر {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}.
قال يوسف للملك اجعلني ولياً على خزائن أرض مصر أدير شؤونها الاقتصادية والمالية، وأشرف على الغلال ولا يتطرق إليها الفساد. وقد أصبح يوسف بعد ذلك صاحب الرأي الصائب والقرار النافذ في تصريف الأمور ومكّنه الله من العمل للصالح العام لأن هذا كان هدفه الوحيد ولم يطلب الولاية لمكسب شخصي أو نفع مادي أو مطمع سياسي.

( * ) عضو مجلس الشورى
وعضو اللجنة العامة للانتخابات


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved