.. الإنسان هو محور الكون ونقطة الارتكاز في هذا الوجود.
.. الإنسان محور التكليف.
.. الإنسان محور التكريم.
.. الإنسان محور العمارة لهذه الأرض.
لقد كرم الله الإنسان ورفعه إلى منزلة لا يوازيها خلق من مخلوقاته - تبارك وتعالى - حيث يقول ربنا - عزّ وجلّ -: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} (70) سورة الإسراء.
والقرآن حين يتحدث عن الإنسان يتحدث عنه كقيمة إنسانية ، وليس كأجهزة جامدة تمارس عملها بطريقة بليدة ، تفتقد الإدراك والإحساس بما يدور في هذا الكون ، فهو يتعامل معه على أنه الكائن المدرك العاقل المريد المختار ، الذي خلقه على أحسن هيئة وميزه بالمنطلق والعقل والتمييز ، وخصه بما خصه من المطاعم والمشارب والملابس على وجه لا يوجد لسائر أنواع الحيوان مثله ، وأكرمه بتسليطه على سائر الخلق ، وتسخير سائر الخلق له ، وأكرمه بالكلام والخط والفهم ، وأعظمها على الإطلاق نعمة العقل وأضفى كذلك عليه الحق تبارك وتعالى جناح العطف والبر والتكريم ، بأن جعله خليفة على هذه البسيطة .. فالخلافة تكليف يضطلع به الإنسان لمهام أكبر وأعظم.
وهذا يجعل الواحد منا يفكر ملياً في أمر نفسه وسيره في هذه الحياة ونقاط التوقف والحركة فيها ، لبحث السير قدماً ليحقق ما أراده المولى - عزّ وجلّ - من خلقه وتكليفه بهذه الأمور ، وعندما يعود المرء منا إلى نفسه الإنسانية.
ويعلم أنما الحياة الدنيا مرحلة من مراحل الانتقال للدار الآخرة ، التي سوف يكون بها الجزاء والحساب والمكافأة على ما قدم في هذه الدنيا ، ليعلم أن الأمر في غاية الأهمية وهو جد وليس بالهزل.
إذن من هذه النقطة ننطلق لنحقق النجاح الذي أراده لنا ربنا - جل وعلا - ، وهي في الحقيقة بداية العافية للمرء أن يعرف أنه بحاجة ماسة لمعرفة قيمته كإنسان ومن ثم يخطو خطواته الوليدة نحو الكمال ، لتشرق تلك النفوس بين جوانحنا وتفيض خيراً ووفاء وعطاء للآخرين.
الحياة قصيرة فلا تقصرها بقلة الأداء والإنتاج .. فنجاح القيام بمهمة هذه الحياة يحتاج إلى عودة جادة للنفس الإنسانية وسبر أغوارها .. ومعرفة نقاط القوة .. ونقاط الضعف والخلل فيها .. ولله در القائل :
ولم أرَ في عيوب الناس عيبا
كنقص القادرين على التمام |
لابد أن يعي كل واحد منا أن عليه دوراً كبيراً في صناعة هذه الحياة ، وفق المنهج الإلهي ولا تتأتى هذه الصناعة إلا بالمعرفة أولاً .. وبالإرادة القوية ثانياً .. وفوق هذا كله بالاستهداء بنور الوحيين اللذين يرسمان الطريق الصحيح لصناعة حضارة إنسانية تتكامل فيها جميع جوانب الحضارة بقيمها النبيلة من عمل ورحمة وحب وصدق وإخاء ، التي متى انفك الإنسان عنها اصبح يتحرك في نفق مظلم يكون البوار وقلة النجاح والتوفيق نصيبه .. وإليكم هذه النظريات الأرضية التي حاولت جاهدة أن تصوغ هذا الإنسان على مشتهى أهوائها ونزعاتها .. بعيدة كل البعد عن المنهج الإلهي .. فهذا فرويد مثلاً الذي خرج بفكرة الصراع بين حاجات الإنسان الغرائزية superego والانا العلوية ego بينهما .. ومتطلبات الحضارة والذي تاه طول عمره في محاولة الربط بينهما .. وتلاه آخرون بالتفريط بين الأنا كأنه ببيداء قفر لا يعرف إلى أين يتجه .. ولا إلى أين المصير .. وفوق هذا كله اصبح في صراع دائم مع نفسه التي بين جنبيه .. وبين فطرة تدعوه للخير .. وشياطين من الجن والإنس يأزونه للشر أزا .. وانتهت الحياة وهو لم يعرف بعد قيمته كإنسان.
إن من أهم الحقائق التي يجب أن يعرفها الإنسان هي حقيقة نفسه ، الإنسان الذي يجهل حقيقة نفسه لابد أن يجهل حقيقة الآخرين ، فيسيء معاملتهم وتتشوه مرآة قلبه ، هناك أربع أنواع من مرايا القلوب ، البعض يملك مرآة مقعرة تعظم له الأشياء التافهة وهذا هو الشخص التافه ، والبعض يملك مرآة محدبة تصغر له الأشياء العظيمة وهذه مرآة المغرور ، والبعض يملك مرآة مهشمة تريه الأشياء مشوهة وهذه مرآة الجاهل ، والبعض الأخير يملك مرآة مستوبة تريه الأشياء على حقيقتها وهذه مرآة الإنسان الواعي.
أيها الإنسان تأكد أي نوع من المرايا تملك وأبدا معنا رحلة البحث عن الذات ، عن ذلك الفردوس المفقود ، إن المسرح الحقيقي الوحيد هو ما كان مرآة 0للحياة, حيث يجيء كل إنسان ليشاهد ويتأمل ، يتأمل عصره ، ويجعل من نفسه في ذات الوقت صورة عالمية للنوع البشري (1).
إن الإنسان الحقيقي هو الذي يعرف أن النجاح في هذه الحياة ليس له نهاية ، فهو طريق طويل أوله في الدنيا وآخره في جنة عرضها السموات والأرض أعدت للصادقين من أبناء هذه الإنسانية الذين أخذوا الكتاب بحقه وقاموا بأداء أدوارهم على الوجه الذي خطه لهم المولى - جل وعلا - وفق رؤية متوازنة ورسالة ذات هدف.
.. في الختام :
هي دعوة صادقة للعودة لهذه النفس للتعرف عليها عن كثب ، ومن ثم حثها لمعالي الأمور وزجرها عن سفاسفها ، وليعلم أن الزمن يسرع ، ولا انتظار لبطيء أو متثاقل أو قاعد.
.. ومن ينفر مع بزوغ الفجر فسيسبق من توقظه الشمس.
.... ودمتم بخير وعافية.
... إضاءة خافتة :
قال تعالى : {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ {179} وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {180} الأعراف.
( * ) الرياض
www.alsaadoun.net
(1) أدب التمرد (بتصرف - فرانسيس أمبير) |