حين انبلاج الضياء.. وفي أول النهار يكون لي إحساس خاص مليء بالصفاء والجمال.. لكن صباحي يوم ولادتك.. أجمل بطيوره وزهوره.. بكل نسمة هواء داعبت وجهي برقة ولطافة..
كان صباحي يحمل لي بشرى مجيئك ابنتي ضيفة حلت على الدنيا.. وعلينا.. فكانت يدي مبسوطة لاستقبالك.. كان الصباح جميل كجمالك..
أحسست بأعظم فرحة يحسها الإنسان بأن يكون أباً.. وأن يسمع كلمة أبي كأغلى نداء.. نداء تمنيته منذ سنوات.. منذ فكرت بمشروع الزواج.. وتكوين أسرة تضم بينها الأبناء.. فكنت أول مولودة تضيء لي الحياة وترسم كل شيء جديد.. كان كل شيء مختلفا حتى رائحة المستشفى الذي احتضن يوم ولادتك.. لم أتأفف من رائحته لحظة كما كانت حين أدخله قبل مجيئك.. بل كانت رائحته عطرا يملأ المكان..
ضممتك كمن يضم السعادة أحسست بأنفاسك الدافئة وأنا أطبع قبلة على خديك.. خرجت بك نحو منزلنا والذي أعددته لاستقبالك منذ أن علمت بوجودك في أحشاء أمك الغالية..
أتذكر تلك اللحظات الجميلة.. منذ أن سمعت أذني الطبيبة تهنئنا.. تبشرنا بقدوم طفل لنا.. وأنا يأسرني حب عظيم لكل ما يتعلق بالطفل..!!
ملبسه.. أدواته.. غرفته وسريره.. حتى ألعابه اشتريت كل ذلك ليكون احتفالا واستقبالا لمولودنا الجديد.. فكنت يا ابنتي كسعادة تزور الحياة.. أسميتك فرح لأنك الفرح الذي انتظرته منذ سنين.. مرت بنا الحياة فترة كأجمل ما عشنا.. كنت لا أحب أن أراك تبكين.. أريدك.. حتى وأنت في المهد تضحكين.. تتبسمين..
كبرت.. وكبرت فرحتنا.. كانت آذاننا عطشى نحن والديك.. لنسمع منك.. أبي أمي.. وقد رسمنا لسماع أجمل الأسماء خيوط الفرح.. مرت فترة ليست بالقصيرة وأنا أنتظر من لسانك مناداتي بأبي وأن اختلف لفظها.. وتبدلت مخارجها.. أريد ان أروي عطشي لأسمع أبي.. أحسست أنك مختلفة عن الأطفال من حولك.. رأيت عينيك تنظران لهم.. تغور أسوار الطفولة بصمت.. ولم تعبري عنها سوى ضحكات تضيع في فضاء الحياة.. وصراخ متقطع لحظة البكاء..
أسرعت بك حيث الطبيب ليقلبك بين أدواته.. حتى وجد العلة.. ليصدمني بها ولم أفيق حتى هذه اللحظة..
أتعرفين ماذا قال؟!
انك صماء لا تسمعين بكماء لا تتحدثين.. كان أمراً عصيباً علينا قطع كل أمل في سماع صوتك.. وشجي حديثك.. وجعل عطشي للأبد..
بتر الحلم الذي عشت راسما له أجمل الخطوط سماع نداء ندي من لسانك.. وقطع أملي في أسماعك كلمات الدلال والتي كنت سأسمعها لأول مولود لي..
كنت حزينا وكانت أمك تفوقني صبرا.. بكيت لاختلافك عن الأطفال في سنك.. أتألم وأنا أراك تحاولين جاهدة لتخبرينا عن شيء ما يدور في خلدك.. لكنك وبإحساسك الطفولي دخلت عالم الأطفال..
شاركتيهم لعبهم.. وفرحهم حتى أحبوك ورسمو لك مكانا داخل قلوبهم.. أثبتي لهم عدم اختلافك عنهم..
ابنتي..
ليتك تعلمين بأمنيتي.. بأملي..
أتمنى لو أستطيع منحك صوتي.. إذ ليس
له معنى إن لم تسمعي كلمات الدلال..
وسمعي إذ لم يهنا بندائك.. وضحكك..
ابنتي..
أبوتي غدة يتيمة.. فليتني لم أرسم لها
كل الخيوط الجميلة..
(وهج الأمل) |