Friday 19th November,200411740العددالجمعة 7 ,شوال 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

ورحل القائد المقاتل المتحدي! ورحل القائد المقاتل المتحدي!
عبدالفتاح أبو مدين

* رحل فجر الخميس 28 رمضان 1425هـ الموافق 11 نوفمبر 2004م، المقاتل الشجاع، وكل شعبنا في فلسطين مقاتلون شجعان، قاتلوا دون ديارهم وأهلهم وذرياتهم، ليسوا معتدين، وإسرائيل التي تصفهم بالإرهاب، هي الإرهابية المعتدية، لأنها تقاتلهم وتقتل فيهم ليل نهار لتفنيهم أو تخرجهم من ديارهم، غير ان الشعب البطل لن يسالم، ولن يهادن، ولن يلقي السلاح. قال الحق {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}.
* رحل عرفات، بعد نضال استمر أربعة عقود، نضال طفق من الأردن، لبنان، تونس، فلسطين، وإسرائيل بصلفها وعتوها وإفسادها في الأرض بقيادة مجرمين، تطارد المناضل في كل بقعة يحل فيها، بدباباتها وطائراتها وكل ما تملكه من قوة عتاد، زودت بها من مناصريها، ومع ذلك يقولون، ويقول مجرموها، ان الفلسطينيين إرهابيون، وذلك دأب اليهود عبر تاريخهم الأسود الطويل، الاعتداء ورمي غيرهم بالظلم وبالباطل، لأنهم كما وصفهم الكتاب العزيز مفسدون في الأرض، هم العدو، وهم الإرهاب والظالمون المستبدون، شتت الله شملهم، وجعل الدائرة عليهم !
* رحل أبو عمار وقد لقي من عدو ماكر لدود كل أنواع التنكيل والكيد والبطش، غير ان الرجل الذي لا يهاب الردى، ظل لا تلين له قناة، لأنه يدافع عن حق صراح لأمته التي تغتال كل لحظة على ترابها، لأنها لم تهادن ولم تستسلم وشعارها: النصر أو الشهادة، خياران غاليان، هما عنوان الشجعان من أمتنا، ولن أقول: إن أحلاهما مر، وإنما كلاهما حلو، عند المؤمن، وعند المدافع عن دياره الشجاع، وقد قال شاعر النيل رحمه الله:


فإما حياة تبعت الميت في البلى
وتنبت في تلك الرموس رفاتي
وإلا ممات لا قيامة بعده
ممات لعمري لم يقس بممات

* ذانك هما خيار شعبنا الشجاع البطل في فلسطين، ولن أتجاوز الواقع إذا قلت إن هذا الشعب هو الذي صنع قادته ومنهم الراحل ياسر عرفات.. ولم يكن هو ورفاقه الذين صنعوا هذا الشعب الشجاع، ذلك أننا رأينا فتيات في عمر الزهور، جمالاً ومستوى دراسي جامعي، يلقين بأنفسهن في أتون القتال، يفجرن أنفسهن، فداء للوطن، يضحين بالروح الغالية، ولم نر مثيلاتهن من بنات اليهود من يصنع هذا الصنيع، لأن الأوليات، يدافعن عن تراب وعن حق، وعن وطن، وأنهن باسلات، يرين كما يرى كل الشعب الذي ولدهن، أن لا قيمة لحياة سيماها الذل والمهانة والبؤس، هذه الحياة عند الأحرار والحرائر لا قيمة لها.. والشباب هناك على أرض الفداء، كانوا المثال، ليعلنوا للعالم كله، ان الحق المغتصب لا يسترد إلا بإراقة الدماء الغالية، بالفداء، بالثمن الغالي، وصدق القائل: والجود بالنفس أغلى غاية الجود!
* كما فعلت إسرائيل بالباسلين من شعبنا في فلسطين، فعلت بالقيادة التي ليس لها خيار إلا ان تتحدى المعتدي المدعوم من أقوى دول العالم، ظلماً وعدواناً، وهذا التحدي نتائجه: ان يكون صانعه أو لا يكون، وان يعيش على ترابه حراً مرفوع الهامة، أو يجلل بدمائه الزكية شهيداً، وذلك دأب أمتنا الشجاعة المسلمة الباسلة، عبر تاريخها الطويل، وإسرائيل المجرمة كانت تطارد أبطال المنظمة في كل مكان وتقتل فيهم، في لبنان وفي تونس وغيرهما، لأنها تدرك شجاعتهم وبطولتهم، وهذا الغدر دأب اليهود، أما الشجاع فانه يقاتل وجهاً لوجه، وإسرائيل جبانة عبر تاريخها !
* عرفات ظل ثلاثين شهراً في حصار لا يقوى عليه إلا شجاع سبيله الشهادة، إذا لم يكن النصر، عاش بدون ماء، ولا كهرباء، ولا غذاء، ولا أمان.. ذاك هو رهان إسرائيل القتل البطيء، أو الرحيل، غير ان الرجل الذي وراءه شعب اختار التحدي أمام ذلك العاتي الزنيم المستبد الحاقد، فضل التحدي، فقد كان خياره النصر أو الشهادة، دون وجود شيء من تكافؤ بين المحاصَر وفارضي الحصار.. والقتل، كانا على الشعب كله، ورأي العالم في مواجهة التحدي البغيض العاتي بقوة لا قابل لهذه الأمة بها إلا خصيصة واحدة، هي الإرادة، إرادة الحياة التي اختارها شعبنا في فلسطين، ولا أقول إنه اختبار صعب، لأن الشجاع لا يرى صعباً أمام إرادة لا يفلها الحديد، ولأنه اختار الأصعب والأعنف، فهو مدرك، أراد أم لم يرد، إذ لا هوادة في مجال التحدي، مهما كان الخصم قوياً، فالاستعانة عليه بالله وبالصبر. ونجح المتحدي، من ذي حق وإرادة وشجاعة، يعي قول أبي الطيب:
(من يهن يسهل الهوان عليه)
* إسرائيل، كما هو ديدنها، شعارها الغدر والخديعة، ولسنا نحتاج إلى أدلة أصدق من الكتاب العزيز، وحالها مع خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم في المدينة المطهرة، فلا عجب إذاً هذه الديمومة منها، لأنه شعارها في كل زمان ومكان، ليس لها عهود ولا مواثيق، نحن شهود على العصر الحديث، منذ عام 1948م فلم تف بعهد ولا بوعد عبر تاريخها الأسود: ونسأل أين اتفاق: كامب ديفيد، وأوسلو، مدريد، وخريطة الطريق، والعالم يشهد على ذلك !
إذاً فليس أمام الفلسطينيين إلا القتال، بكل الأساليب والوسائل، حتى ترعوي إسرائيل وتفيء إلى الحق ولا محيد عن منطق القوة، حتى يعود الحق إلى أهله !
* لتقل إسرائيل عن الفلسطينيين إنهم إرهابيون قتلة، وهي ليست دولة إرهاب ولا إبادة شعب شبه أعزل، غير أنه يملك إرادة النضال والبقاء حراً، وليس ثم منطق يلقنه شعبنا لعدوه اللدود إلا القوة والتحدي، وديمومة النضال إلى النصر إن شاء الله.. إسرائيل لا تعي إلا أسلوباً واحداً، هو القوة، والقوة وحدها.. وأمامها شعب لا يموت، لأنه يصنع الحياة، ويصنع الزعماء وقياداته، وليس قيادته هي التي تصنعه.. إذاً فان ذهاب أبي عمار، يقيّض الله له قيادة، تواصل مسيرة الجهاد حتى النصر إن شاء الله !
* رجاء وأمل الأمة المسلمة والأمة العربية هو توحيد الكلمة، لتتوحد الصفوف أو الصف، ذلك ان الفرقة تقود إلى التشتت والهزيمة، قال الله تعالى {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ}.. وقال سبحانه {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ}، لأن الاختلاف يقود إلى الفرقة والتشتت والتمزق، وكما قيل، فان وحدة الكلمة قبل وحدة الصف.. رحم الله أبا عمار الذي تحمل الكثير من الضنك والكيد والضيم من الصهاينة الظالمين، وتبقى هزيمة العدو، بنضال وقوة القيادة، مع أمة ضربت الأمثال في التحدي وجهادها مستمر باق حتى النصر إن شاء الله، لأن من ينصر الله ينصره ويعزه. قال تعالى {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} .. نصر الله قومنا في فلسطين على البغاة المحتلين الظالمين بما عتوا وكانوا طاغين.. ونضّر الله وجوه الباسلين في أرض الجهاد والحق، ونصرهم في أرض الرافدين على الغازين الباغين ..!
إذاً فلسان حال شعب فلسطين هو: {وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا}.
* وينبغي أن نذكر جميل الرئيس شيراك وحكومته، في احتفائهم بالرئيس عرفات في محنته المرضية التي انتهت بوفاته، فقد عنيت به في المستشفى العسكري، ولما مات سعى الرئيس شيراك شخصياً إلى تعزية زوجة عرفات والوفد الفلسطيني الذي ذهب إلى باريس قبل ساعات من وفاة قائدهم، وعمل لعرفات وداع عسكري في المطار ثم أقلته طائرة فرنسية إلى مصر مع زوجته والوفد الفلسطيني.. هذه لفتة إنسانية تذكر للرئيس شيراك وحكومته، وهو وفاء يشكر ويقدر لفرنسا ورئيسها، لأنهم عرفوا قدر الراحل وجهاده الطويل، وما لاقى من اضطهاد وحصار وكبت، فصبر صبر الكبار، الذين لا تهزمهم الأحداث الجسام !
* والشكر متصل للرئيس مبارك، في الاحتفاء بالراحل يشاركه زعماء الوطن العربي على أرض الكنانة والصلاة على الراحل، ثم وداعه ونقله بطائرة مصرية إلى العريش، ثم عسكرية إلى رام الله ليدفن في أرضه.. مواقف الكبار الشجعان الأوفياء، ولا سيما في حوازب الأمور تذكر فتشكر، ومصر ليس جديداً عليها الوفاء والمواساة للأمة العربية وزعمائها أحياء وأمواتاً، وحتى لغير العرب، وهذا مما يبقى في صفحات التاريخ المشرق !


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved