Friday 19th November,200411740العددالجمعة 7 ,شوال 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

في موكب الحياة في موكب الحياة
الانحراف الفكري في عصر العولمة
أ.د عبد الرزاق بن حمود الزهراني

ربما كان عصر العولمة بما يوفره من أدوات اتصال ومواصلات ومغريات في الحياة، وبما فيه من تناقض واضح بين ما يقال وما يُفعل، وما فيه من بعد بين النظرية والتطبيق في بعض جوانب الحياة المختلفة، ربما كان هذا العصر من أكثر العصور التي يكثر فيها الانحراف الفكري، والتشتت الذهني، والشعور بالاغتراب، والضغط على الروح والأعصاب، فالفرد تتنازعه عوامل كثيرة، وكل منها يحتل جزءًا من حياته، يزيد ذلك الجزء وينقص حسب عوامل المد والجزر، والتأثيرات المرتبطة بذلك الجزء من الحياة، ويكاد المجربون والعارفون بمجريات الحياة يجزمون بأن البدوي في صحرائه، والريفي في قريته، أسعد حالاً وأهنأ بالاً من أولئك الذين يعيشون في ناطحات السحاب، وفي المدن الكبرى التي يلهث فيها الإنسان ليل نهار دون هدف واضح، ودون غاية محددة.
والانحراف في اللغة هو العدول عن الخط المستقيم، ويمكن تعريفه اصطلاحاً بأنه الخروج بطريقة شاذة وغريبة عما تعارف المجتمع على قبوله والعمل به. ولهذا فإن ما يحدد الانحراف الفكري هو ثقافة المجتمع وقيمه وعقائده، فالفكرة قد تكون مقبولة حسب ثقافة مجتمع ما، ومنحرفة حسب ثقافة مجتمع آخر. والثقافة السائدة في المجتمعات المسلمة هي ثقافة الإسلام، ولهذا فإن قيمها وقوانينها وأعرافها هي الميزان الذي يوزن به الفكر، فما وافقها كان مقبولاً، وما خالفها وعارضها كان منحرفاً وشاذاً.
وللانحراف الفكري أسباب كثيرة ومتعددة، وقد تختلف تلك الأسباب من شخص إلى آخر، ولعل أهم تلك الأسباب يتمثل في الآتي:
1- الجهل، فالناس أعداء لما يجهلون، والجاهل كما يقولون عدو نفسه. والجهل هنا قد يكون بمعنى الأمية التي هي ضد العلم، وقد يكون بمعنى الغفلة التي هي ضد الحكمة، وضد استخدام العقل والمنطق.
2- التغرير، ومن معانية غسل الدماغ والإقناع.
3- التسلط والظلم ونقص الحريات، مما يدفع بعض فئات المجتمع إلى ممارسة نشاطاتها في الخفاء، خوفاً من القمع والتنكيل، ومن الصعوبة بمكان اكتشاف الانحرافات الفكرية لتلك الفئات لعدم وجود قنوات لمحاورتها وإرشادها للطريق القويم، والتسلط ونقص الحريات قد يدفع بعض العقلاء وأصحاب الفكر السليم للانكفاء على أنفسهم واعتزال الناس إيثاراً للسلامة، وهم بهذا يتركون فراغاً يسمح لذوي الفكر المنحرف بتعبئته بفكرهم المنحرف والشاذ.
4- تقليد المذاهب الوافدة من الخارج، فكم من إنسان ينحرف فكرياً بسبب اقتناعه بفكرة غريبة نبتت في مجتمع غريب، قد تناسب ذلك المجتمع الذي نبتت فيه ولكنها لا تناسب مجتمع من قام باعتناقها ونقلها ودافع عنها.
5- تناقض الحياة الاجتماعية، فما يتعلمه الشخص في المدرسة قد ينقضه ما يراه في التلفزيون، أو ما يراه من سلوك والديه أو جيرانه، وتصارع الاتجاهات والأفكار دون ضوابط أو إطار عام يحكمها.
تأثير الانحراف الفكري على المعتقدات والشباب
الانحراف الفكري يخرج أصحابه عن معتقدات المجتمع، وثقافته وقيمه، ويؤدي إلى الصدام والصراع مع تلك المعتقدات ومع المجتمع بفئاته المختلفة، وكثيراً ما يعتقد أصحاب الفكر المنحرف أن الحق معهم، وأن غيرهم على ضلال، ويتصرفون وفقاً لذلك.
وأصحاب الفكر المنحرف موجودون في المجتمعات كلها، وبعضهم يبقى في الخفاء، وبعضهم يظهر على السطح، ويدعو إلى أفكاره، وينافح عنها، ويقاتل في سبيلها.
والشباب - لنقص خبرتهم ومعلوماتهم، ولكثرة حماسهم واندفاعهم - هم من أكثر ضحايا الفكر المنحرف، وكم من أسرة فقدت أعز أبنائها بسبب اندفاعهم وراء فكرة منحرفة، وهدف ضبابي تحوطه الأوهام والخيالات السرابية.
الانحراف الفكري والإرهاب
الإرهاب له أنواعه المختلفة، منها الإرهاب الفكري وهو منع أي فكرة تخالف ما يعتقده الطرف الآخر، واتهام من يظهر تلك الفكرة المخالفة ويطرحها بأبشع التهم واستعداء السلطات عليه بدلاً من محاورته وإقناعه، أو الاقتناع بما عنده إن كان سليماً ويدعمه الدليل والحجة والمنطق، وهناك الإرهاب الديني الذي يجبر الناس على اعتناق دين معين كما حدث خلال محاكم التفتيش في أسبانيا حيث يرغم الشخص على ترك الإسلام أو القتل أو اعتناق النصرانية، ومن المعروف أن الإسلام ضد الإرهاب الديني، ولم يثبت أن المسلمين أجبروا أحداً على ترك دينه واعتناق الإسلام، ويشهد بذلك وجود نصارى ويهود إلى اليوم في بلاد المسلمين، والنوع الثالث من أنواع الإرهاب هو الإرهاب القائم على العنف، والتصفية الجسدية للمخالفين، ويعتبر الانحراف الفكري من أهم أسبابه.
طرق معالجة الانحراف الفكري
معالجة الانحراف الفكري تتم بمعالجة أسبابه ومنعها، ولعل أهم أسباب وجود الانحراف الفكري تتمثل كما قلنا في الظلم والقهر ونقص الحريات، ولهذا فإن العدل والإنصاف وحرية التعبير من أهم أسباب معالجة الانحراف الفكري والتطرف، وفتح الحوار مع فئات المجتمع المختلفة، والسماح للناس بالتعبير عما يجول في أنفسهم دون خوف أو وجل، وإقناعهم بخطأ ما يفكرون فيه، إقناعاً يقوم على المنطق، والحجة والبرهان، لا على التخويف والترهيب والقمع والإقصاء.
كما أن نشر العلم والثقافة الصحيحة القائمة على المودة والمحبة والتسامح والإقناع من أهم عوامل معالجة الانحرافات الفكرية، ومن ذلك تحذير الشباب من عمليات التغرير وغسل الدماغ، والبعد عن الفئات المشبوهة، وتحذيرهم من الأفكار الوافدة التي نشأت وترعرعت في مجتمعات غير مسلمة، وتعارض قيم الإسلام ومعتقداته السليمة والصحيحة.
إن نشر قيم الإسلام الرفيعة التي تدعو إلى عمارة الأرض، وتدعو إلى التسامح والمحبة، وبناء مجتمع فاضل متكاتف يعتبر من أهم عوامل معالجة الانحرافات الفكرية، فالقلوب التي يعمرها الإيمان السليم تكون محصنة ضد الفيروسات الفكرية، ومما يؤسف له أن فئات كثيرة في مجتمعاتنا المسلمة تولي المظاهر الإسلامية الشكلية من الاهتمام أكثر مما تهتم بالجوهر، ولهذا يكثر في بعض مجتمعاتنا الظلم وخلف المواعيد والكذب، وقطع الأرحام، والجرأة على أخذ أموال الآخرين بالباطل.
كما يجب أن تطالب القوة العظمى في العالم اليوم وهي الولايات المتحدة الأمريكية بأن تكون قوة عدل وإنصاف، فما يجري في فلسطين من دعم غير محدود لجرائم الكيان الصهيوني ضد الأطفال والنساء والشيوخ والأبرياء، وضد القرارات والأعراف والقوانين الدولية، وما يجري من ظلم على المسلمين في أماكن كثيرة من العالم هو سبب من أسباب العنف والتطرف والإرهاب في العالم الإسلامي، ولن تخف وتيرته إلا بمعالجة أسبابه، ومن المعروف أن العنف يولد العنف، والإرهاب يؤدي إلى مزيد من الإرهاب.

فاكس 012283689


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved