من يوقف جرائم الحرب في العراق؟

لم يكن جريحاً واحداً ذلك الذي قتله الجنود الأمريكيون في مسجد بالفلوجة فقد كانوا ثلاثة وفقاً للمصادر الأمريكية، وكان يكفي أن تكون الجريمة تتعلق بشخص واحد لتثير كل هذا النقاش على نطاق العالم بشأن جرائم الحرب التي يرتكبها الجنود الأمريكيون ضد المدنيين العزل، غير أن مقتل الثلاثة داخل المسجد وهم غارقون أصلاً في دمائهم ويطلبون العون يعكس انهياراً أخلاقياً مريعاً لجيش القوة العظمى الوحيدة في العالم، وتتمثل فداحة الأمر في أنه ليس هناك من يحاسب هكذا جيش على جرائمه، وهو أمر يفتح المجال أمام المزيد من الفظائع بحق الشعب العراقي طالما أن حفنة من شذاذ الافاق ومحترفي القتل هي التي تحوم في شوارع الفلوجة وبقية المدن العراقية باحثة عن (طرائد) جديدة تشبع تعطشها للدماء في غياب الرقابة الدولية وفي غياب أجهزة الإعلام.
الوضع مأساوي للغاية، والمشكلة تتمثل أيضاً في الغموض الذي يلف كل شيء، فالجريمة التي حدثت في مسجد الفلوجة، ليست حتماً هي الوحيدة، فقد كان وجود ذلك الصحفي الذي سجل الواقعة عارضاً، وبشكل عام فإن الوجود الإعلامي بالفلوجة هو في أدنى حدوده، ومن المتوقع أن يتم تسجيل غياب تام له مع انكشاف تلك الحادثة.
لكن أهمية التغطية المحدودة هي أنها أوحت بأن هناك الكثير من الفظائع، فإذا كان الجنود قد تصرفوا بهذه الوحشية أمام الكاميرا فكيف سيكون الأمر في غياب الشهود؟ والتساؤلات التي أثارتها الواقعة لن تتوقف لأنها مست الضمير العربي المسلم والدولي بشكل عام إلى جانب أنها كرست القناعة بأن الذين يباشرون هذه الحرب في العراق يفتقرون إلى أبسط القواعد الإنسانية بما في ذلك تلك القواعد المتعلقة بالحروب والتعامل مع الاسرى والجرحى، ما يدفع إلى الذهن ما يتردد على نطاق واسع بأن هؤلاء الجنود ليسوا من المحترفين لمهنة الجندية وأن معظمهم من المتطوعين أو الذين يؤدون الخدمة العسكرية وانهم انتقلوا من الشوارع الخلفية لمدن أمريكا إلى بلاد لم يسمعوا عنها، وانهم مدفوعين بدوافع ومشاعر مبهمة عن الارهاب والمسلمين، وان قصورهم المعرفي العام يجعلهم يتصورون انهم يخوضون حرب ابادة ضد اناس يهددون وجودهم.
إن المشهد العام لما يدور في العراق يسجل تاريخاً أسود للإنسانية، فقد صدم العالم حينما تكشفت الحقائق عن فظائع سجن أبو غريب، قبل عدة أشهر، ومع ذلك فإن الحادثة لم تشكل رادعاً لهذه التصرفات الشاذة، وهاهو العالم يصدم مرة أخرى بوقائع وفظائع جرائم الفلوجة.
هذا التواتر لهذه الجرائم في غياب الرقابة الدولية وفي غياب العقاب القانوني للجناة والسياسي لدولهم يجعل المجال مفتوحاً أمام المزيد منها خصوصاً إذا ترسخت القناعة في أذهان هؤلاء الجنود بانهم فوق المساءلة وفوق القانون، مع الاشارة إلى تدني قدراتهم المعرفية بشأن ما يدور حولهم.