يمكن لنا أن نصف تأسيس هيئة سوق المال السعودي بأنه أبرز وأنجح الإنجازات التي تهدف إلى تطوير وظائف وفعالية السوق منذ تأسيسه قبل ربع قرن. واستقبل القرار الكريم بإنشاء الهيئة بكل ترحابٍ كحدث إيجابي يعد بذاته نقلة نوعية توالت بعدها تغيرات سريعة فاقت توقعات الجميع. وبحالٍ لم يخطر فيه ببال كثيرٍ من المتعاملين بأن تأسيس هيئة مختصة بالإشراف والمراقبة سوف تحدث إصلاحات جذرية في مدة قصيرة لا تتجاوز عدة شهور. عاش السوق خلالها بمفاجآت بداية من ارتفاعات متواصلة في أسعار أسهمه ونهاية بارتفاعات مؤشرة بقدرٍ لم نعرفها من قبل، وفي ثباتٍ مميز وقفزات تكاد تكون أسبوعية. ورغم أن السوق في الواقع ليست مجرد سوق تتبارى فيها الحظوظ إلا أن تبادلات المتعاملين والمستثمرين على أرباح أصول الشركات الاقتصادية السعودية سواء كانت صناعية أو خدماتية أو زراعية برهنت أن عنصر الثقة ازداد في حجمه وأصبح أقوى عما كان قبل عامٍ مضى، التي قادت في نفس الوقت عمليات النمو والتجديد للسوق والتي على ضوئها يمكن أن تفسر لنا أن هذه التغيرات التطويرية باتت واضحة ليس على أحجام ومعدلات أسعار ومؤشر التداول اليومي فحسب بل وعلى عمليات البيع والشراء النامية والتي مكّنت مواطني المملكة من تحقيق ثروات طائلة من الاستثمار في الأسهم خلال الفترة القصيرة لتأسيس الهيئة.
ومن متابعة مؤشر أسعار الأسهم الذي هو عبارة عن مقياس للتغيرات التي تطرأ على الأسعار في السوق صعوداً وهبوطاً، والعاكس أيضاً لتلك التحركات بصدقٍ لحظة بلحظةٍ انه مؤشر يعتمد عليه المستثمرون للتعرف على اتجاهات السوق وبناء مرئياتهم وتوقعاتهم وكارتباط وثيق به. واصل فيه صعوده من 5000 نقطة إلى 7700 نقطة في آخر تداول له في الأسبوع الأخير من شهر رمضان المبارك، متخطيا أرقاماً قياسية جديدة كأعلى قيمة تاريخية له وتاركاً المتعاملين في حال استغراب واستعجاب. ولا يزال البعض متفائلاً لحالة الاستقرار والنمو الذي يعيشه السوق، ولا غرابة أن نتوقع استمرار صعود المؤشر إلى أن يصل ما بين 8000 - 8500 نقطة قبل رحيل العام الميلادي الحالي والذي لم يتبق له إلا شهر أو أكثر وبمعنى أن هناك بقية للمؤشر التصاعدي بما يعادل ألف نقطة أخرى خلال الأسابيع القادمة إن شاء الله تعالى. إضافة إلى أن هناك أخباراً سارة منتشرة في أوساط السوق مفادها أن الهيئة تدرس إمكانية تجزئة الأسهم وخفض القيمة الأولية للسهم إلى عشرة ريالات لما لها من فوائد اقتصادية سوف تعود بالنفع على مواطني البلد المبارك. فتجزئة الأسهم جاءت نتيجة دراية الهيئة التامة بمجريات السوق وأحواله المالية التي تدل على توفر فوائض وسيولة مالية عالية ومتدفقة على جيوب المواطنين وكلها معطيات تنبئ بفرص استثمارية جيدة تتجه حتماً إلى سوق الأسهم قبل أي قطاع استثماري منافس كالعقار. وكانت عمليات طرح أسهم شركات جديدة مثل اتحاد اتصالات وبنك البلاد والتعاونية والمراعي مناطق امتصاص واستثمار لتلك السيولة آملة الهيئة من طرح أسهم تلك الشركات زيادة السوق متانة وثقة. فمن المؤكد أن يفوق ويتعدى عدد المكتتبين عند طرح سام بنك البلاد (تحت التأسيس) في الشهر القادم عدد الذين اكتتبوا في شركة اتحاد اتصالات عدة مرات، نظراً لتعطش المواطنين السعوديين للاستثمار في كل ما تطرحه هيئة سوق المال من شركات مساهمة. وقد اتخذت الهيئة مؤخراً إجراءات مميزة لخير السوق كان من هدفها الأساس الاهتمام بالمستوى المعيشي للمواطن وزيادة دخله المالي جراء اقتصار الاكتتابات الحالية والقادمة على المواطنين، وعدم السماح لصناديق الاستثمار التابعة للبنوك من الاكتتاب والاشتراك في الاكتتابات التالية كالتعاونية والمراعي، والتي سيقتصر الاكتتاب فيها على الأفراد. وهي خطوة مباركة عبّر عنها كثيرٌ من المواطنين بالرضا والاستحسان، ومشجع نفسي داعم لحجم الطمأنينة لنفوس المتداولين والمضاربين. والأمر الذي سوف تنعكس تبعاته لاحقاً على مضاعفة حجم سوق الأسهم والتعامل اليومي إلى مستوى التريليون من الريالات السعودية. وإذا ما استمرت المعطيات الدولية من بقاء أسعار النفط في حدود الـ45 دولاراً للبرميل، ومن مواصلة ارتفاع في أرباح الشركات المساهمة السعودية للربع الرابع من هذا العام فإن هيئة سوق المال سوف تضع السوق إلى مصاف أكبر الأسواق في منطقة الشرق الأوسط، وأكثرها جذباً ليس لمواطني المملكة فحسب، وإنما أبعد جغرافياً. ان الأخبار السارة التي تنشر وتتناول في الصحف السعودية بأن هيئة سوق المال السعودي سوف تخفض من الروتين والأعمال الورقية التي كانت تحتاج إليها شركات الأسهم في معاملتها الضرورية من إجراءات في زيادة رؤوس أموالها أو في طرح اكتتابات جديدة لا شك سوف ترفع من أسعار وقيمة الأسهم مستقبلاً، وهو ما شهدناه مؤخراً حينما تقدم عدد من الشركات المساهمة بطلبات زيادة رؤوس أموالها وطرح اكتتابات محدودة ومغلقة على حاملي أسهمها إلى الجهات الرسمية، ومستفيدة من التسهيلات المشجعة لهم. وهو ما زاد في فعالية السوق وارتفعت معظم أسهمه، وكانت البداية بالأسهم القيادية مثل سابك العملاقة وشركات الاتصالات السعودية والبنوك ارتفاعاً متواصلاً سريعاً، وسوف تلحق بهم معظم أسعار الأسهم الأخرى عاجلاً لا آجلاً، وسواء كانت تلك الاستثمارية الطويلة الأجل أو أسهم مضاربة.
وسيلمس المواطن السعودي التحسن الكبير الذي صاحب هذه التغيرات التطويرية في نظم ولوائح ومؤشر، وسيشعر بالفارق المريح والحاصل من تراجع بين في تقلبات السوق التي عانى منها الكثير والتي كان آخرها انهيار شهر مايو الماضي.
|