* الفلوجة - الوكالات:
شن الطيران الحربي الأمريكي أمس الأربعاء غارات جوية عنيفة على الأحياء الشرقية والجنوبية لمدينة الفلوجة وشوهدت سحب الدخان تتصاعد في سماء المدينة فيما سمعت أصوات الانفجارات في أجزاء منها.
وقال شهود عيان في الفلوجة بأن القصف الجوي الأمريكي تركز على الحيين العسكري والصناعي وشوهدت سحب الدخان تتصاعد في سماء المدينة. وأشاروا إلى أن دوي الانفجارات يسمع منذ وقت مبكر من الصباح في أرجاء الفلوجة وخاصة في الأجزاء الشرقية والجنوبية ومنطقة الجبيل في أقصى جنوب المدينة حيث تدور هناك حرب شوارع.
وأضاف الشهود أن معارك طاحنة تدور حالياً بين المسلحين والجيش الامريكي للسيطرة على الأجزاء الشرقية والجنوبية من المدينة حيث ما زالت الدبابات الامريكية عند مشارف هذه المناطق، ولم تتمكن من دخولها بسبب كثافة نيران المسلحين المتحصنين في المنازل.
ووصف الشهود الوضع الانساني في المدينة بأنه سيئ للغاية وأن عشرات الجثث منتشرة في الشوارع وتحت أنقاض المباني المدمرة بفعل القصف فيما اضطر الأهالي لحفر مقابر جماعية في عدد من حدائق المنازل لدفن الجثث، حيث سار عراقي اشيب بين الجثث وهو يرتدي قفازات بلاستيكية بيضاء غطتها دماء قتلى الفلوجة، وهو يتمتم بالدعاء لأرواح أصحاب الجثث بينما كان ينقلها إلى شاحنة برتقالية اللون.
وأخذ المتطوع يردّد -رحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته-،أثناء مشاركته في اليوم الثاني لجمع الجثث في المدينة العراقية التي سيطر الجيش الامريكي على معظم أحيائها بعد قتال ضار مع المسلحين.
وعثر المتطوع على جثث داخل البيوت وعلى الأسطح وأخرى مدفونة في ساحات المنازل الأمامية في شمال غرب الفلوجة التي ألحقت بها المعارك دماراً كبيراً. وقتل مئات ممن يشتبه بأنهم من المقاتلين في المعارك التي نشبت الأسبوع الماضي بين القوات الامريكية والمسلحين، وقد تركت جثث المسلحين لتتعفن في شوارع المدينة.
ويقدر الجيش الامريكي عدد المسلحين الذين قتلوا في الفلوجة بحوالي 1200 قتيل.
ولم ترد أرقام رسمية لأعداد القتلى من المدنيين. ويتعين إزالة الجثث قبل ان يبدأ سكان الفلوجة بالعودة إليها بعد ان فروا منها بسبب القتال.
وقام فريق الخدمات الانسانية التابع لقوات المارينز بحشد عدد من الناس من بلدة الصقلاوية المجاورة للتخلص من الجثث ودفنها وفقا للشريعة الاسلامية.
وقال الكولونيل ليونارد فرانشيسكي الذي يقود الفرق المدنية التابع للكتيبة القتالية الأولى (لقد وافق العراقيون على تشكيل فريق عمل للتخلص من جثث القتلى إيماناً منهم بأن ذلك هو ما يجب عمله (...) وسيدفنونهم حسب الشريعة الاسلامية).
وتوجهت عربتان مدرعتان أمريكيتان إلى إحدى نقاط التفتيش شمال الفلوجة حيث كان بانتظارهما شاحنتا (بيك-اب) وشاحنة برتقالية ضخمة. وجلس حوالي 20 رجلا بحزن جاءوا من منظمة الصحة في الصقلاوية في تلك الشاحنات بانتظار نقلهم إلى الفلوجة.
وعلى مسافة غير بعيدة من نقطة التفتيش تم دفن أول 22 جثة تم نقلها يوم الأحد في قبر في سهل صحراوي. ووقف محمد علي (32 عاماً) على ظهر شاحنة بيضاء وقد امتلأت عيناه بالحزن فيما كان يستعد للقيام بتلك المهمة الصعبة. ورغم انه لم يكن هناك أي من أفراد أسرته في الفلوجة إلا أنه كان يشعر بأسى شديد، وقال: (إنهم عراقيون ونحن عراقيون)، إلا أنه رفض الادلاء برأيه حول الهجوم على الفلوجة واكتفى بالتعبير عن تسليمه بما وقع وقال: (إنها النهاية نفسها لكل حرب: الكثير من الجثث).
وتوجهت المجموعة إلى المدينة التي اخترقت الرصاصات والقذائف وأحرقت النيران مبانيها ومساكنها، وخارج أحد المنازل كانت ترقد جثة متفحمة وممزقة، وأخذ خمسة رجال يرتدون القفازات والأقنعة الطبية الخضراء بالبحث في جيوب صاحب الجثة للعثور على ما يثبت هويته، وغطوها ببطانية زرقاء وحملوها في كيس أسود، ولكن وقبل أن يغلقوا الكيس وقعت قنبلة يدوية من إحدى جيوب القتيل، وقام أحد العراقيين بكتابة الملاحظات في دفتر أزرق بينما قام آخر بالتقاط الصور حتى تتمكن عائلات القتلى من التعرف عليهم فيما بعد. وكتبوا على الكيس بدهان بخاخ باللون الأحمر الرقم 23م. وانتهى النهار برفع 14 جثة ونقلها إلى المقبرة. وسيعود المتطوعون مرة أخرى في اليوم التالي لمواصلة مهمتهم الثقيلة.
ويتوقع دي فرانشيسكي أن يبلغ عدد الجثث في منطقة الجولان شمال غربي الفلوجة 600 جثة. ولم يسمح حتى الآن لشاحنات جمعية الهلال الأحمر العراقية بإدخال الامدادات التي أرسلتها للفلوجة منذ خمسة أيام فيما أجبر عدد منها على التوجه إلى مستشفى الفلوجة خارج المدينة الذي تديره القوات الامريكية.
وأفاد مصور لوكالة فرانس برس يرافق الجنود الامريكيين ان المعارك على أشدها في جنوب الفلوجة حيث يقصف الجيش الامريكي مواقع للمسلحين.
وبينما يسمع قصف مدفعي تقوم طائرات من طراز اي. سي-130 بقصف مواقع في جنوب المدينة التي تتعرض لهجوم شامل منذ الثامن من تشرين الثاني - نوفمبر الجاري.
إلى ذلك يقوم خبراء متفجرات في الجيش الامريكي بتفجير منازل تستخدم مخابئ للأسلحة في هذه المدينة التي تعتبر معقلا للمسلحين، وقد قامت القوات الامريكية أمس بإجلاء أربع عائلات في عدادها نساء وأطفال إلى الصقلاوية على بعد 10 كلم غربا.
من ناحية أخرى ذكرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بأن اتفاقيات جنيف تحظر أي هجوم على شخص غير مشارك في معركة، وذلك غداة قيام جندي امريكي بالإجهاز على مقاتل جريح خلال الهجوم على مدينة الفلوجة العراقية.
وقالت المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر انتونيلا نوتاري: (إن البند الثالث المشترك في اتفاقيات جنيف الأربع يحظر بوضوح أي هجوم على أي شخص لا يشارك أو لم يعد يشارك في أعمال حربية، أكان جريحاً أم أسيراً أو مدنياً).
وأوضحت نوتاري (أن أي شخص مريض أو جريح يجب إسعافه والاعتناء به).
وقد بثت محطات تلفزة امريكية عدة الاثنين صوراً تظهر جندياً من المارينز وهو يطلق النار عن كثب على جريح أعزل في أحد مساجد الفلوجة.
وأكد الجيش الامريكي الثلاثاء أنه فتح تحقيقا حول قتل الجريح، وأنه تم تعليق مهام الجندي. وأعربت لجنة الصليب الأحمر عن ارتياحها لفتح التحقيق وقالت نوتاري:إن (المحكمة العسكرية ستحدد ما إذا كان هذا الشخص لا يزال مشاركا أم لا في المعارك).
وتابعت (إذا كان غير مشارك في المعارك فإن تصرف الجندي يكون محظوراً. وان كان هذا الشخص مقاتلا فإن الجندي الامريكي يكون في حالة الدفاع عن النفس (وهو حق مشروع).
|