كولن باول لم يكن وزيراً عادياً، فهو بالإضافة إلى مرتبته المتقدمة في قائمة الإدارة الأمريكية، بمسماه سكرتير الدولة، وهو ما يماثل في الدول الأخرى الوزير الأول، أو رئيس الوزراء، رغم أن المناصب الوزارية والمراكز الإدارية في البيت الأبيض في عهد الرئيس جورج بوش الابن لا تظهر أهمية وموقع الشخصية التي تتقلدها بقدر ما تظهرها علاقة تلك الشخصية بالرئيس نفسه، وفي عهد بوش الابن كان باول يعد في المرتبة الثالثة بعد ديك تشيني نائب الرئيس وكوندوليزا مستشارة الأمن القومي، إلا أنه ومع كل هذه الاعتبارات كان كولن باول ولا يزال يمثل ثقلها اعتبارياً وسياسياً وحتى قومياً في الإدارة الأمريكية، فبالإضافة إلى ماضيه العسكري الباهر وتاريخه العلمي المتفوق، فالرجل الذي بنى نفسه من خلال حرصه الشديد على التميز في الدراسة والعلم رغم فقر والديه المهاجرين، إلا أنه ظل يتقدم في دراسته منهياً التعليم العام وينخرط في التعليم الجامعي والعسكري ليحصل على أعلى الدرجات العلمية والمراتب العسكرية وإظهاره البراعة في قيادة الوحدات العسكرية في كل الحروب التي خاضتها القوات الأمريكية وبالأخص في الحرب في فيتنام وحرب الخليج الأولى التي كان باول أثناءها على رأس القوات الأمريكية، فمن موقعه كرئيس لهيئة الأركان المشتركة خطط لأفضل انتصار عسكري في تاريخ العسكرية الأمريكية، حيث نفذت معركة (عاصفة الصحراء) دون خسائر وبوقت قياسي ودون تورط للقوات الأمريكية كحالتها الآن في العراق إذ لا تزال معارك حرب الخليج الثانية مستمرة وتشير تواصل أحداثها إلى ورقة أمريكية، وهو ما حاول كولن باول ومن خلال موقعه المتميز في إدارة الرئيس جورج بوش الابن (الفترة الأولى) التحذير منها، إلا أن هيمنة وسطوة ديك تشيني وكونداوليزا رايس ورامسفيلد حال دون الأخذ باعتراضات ونصائح الخبير العسكري الأفضل بين دائرة بوش الابن، إلا أن الجنرال الذي تربى على الطاعة العسكرية المطلقة للقائد ظل ينفذ توجيهات وسياسة الرئيس بوش الابن رغم عدم قناعته بها وبالذات الحرب على العراق وحتى عندما طلب منه تقديم مبررات غزو العراق لأعضاء مجلس الأمن الدولي بعرض صور ومعلومات الاستخبارات الأمريكية على أعضاء مجلس الأمن، وتقديم شهادة عن امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، لم يتردد في القيام بواجباته وتنفيذ تعليمات الرئيس بوش الابن، الشيء الوحيد الذي طلبه (الجنرال المطيع لرئيسه) أن يكون مدير الاستخبارات C.I.A جورج تنت خلفه عند مواجهته أعضاء مجلس الأمن الدولي، ليكون حضوره إشارة رمزية عن مسؤولية ال(سي آي أيه) عما يعرضه الوزير كولن باول للأسرة الدولية.
عموماً، بمغادرة (حمامة البيت الأبيض) الإدارة الأمريكية ليترك المجال تماماً ل(كواسر البيت الأبيض) توجيه سرب الإدارة الأمريكية في فترتها الثانية.. وباختيار كوندوليزا رايس محله كوزيرة الخارجية، لتكون هناك حمامة بين الكواسر ولا أحد يسرب خارج السرب.
|