Thursday 18th November,200411739العددالخميس 6 ,شوال 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

في موكب الحياة في موكب الحياة
البيئة والعولمة وثقافة الاستهلاك
أ.د. عبد الرزاق بن حمود الزهراني*

يُعتبر الاستهلاك من الجوانب المرتبطة بالرأسمالية المادية وفلسفتها في الحياة، وتُعتبر هذه الثقافة أحد جوانب العولمة المعاصرة التي تحاول الشركات عابرة القارات نشرها في جميع أرجاء المعمورة، فكلما زاد الاستهلاك زادت أرباح تلك الشركات وزادت عائداتها، وفي هذا الصدد يُروى أن اثنين من الغربيين كانا يرتديان ملابسهما الفاخرة، ويتجوّلان على ضفاف بحيرة في وسط أفريقيا، وأثناء جولتهما وجدا رجلاً من السكان المحليين يضطجع تحت شجرة من أشجار جوز الهند، وقد علّق في تلك الشجرة ثلاث سمكات، هي حصيلة صيده في ذلك اليوم، فلما وقفا بقربه استوى في جلسته ودار بينهم الحوار التالي:
ماذا تفعل هنا؟ قال الرجل: إنني أستريح، قالا: لماذا لا تواصل الصيد؟ قال: لقد اصطدت ما يكفيني وأسرتي لهذا اليوم؟ قالا: لماذا لا تصطاد أكثر؟ فردّ عليهما متسائلاً لماذا؟ فقالا: حتى تبيع الزائد في السوق؟ فقال: ثم ماذا؟ تجمع مبلغاً من المال؟ فكرر سؤاله؟ ثم ماذا؟ قالا: تشتري قارباً وتصيد مزيداً من الأسماك، وتبيعها، ثم تكوِّن أسطولاً للصيد تصبح أنت مديره، فسألهما: ثم ماذا؟ قالا: تضع رِجلاً على رِجل ثم ترتاح.. فقال: أنتما تطلبان مني أن أفعل ذلك كله لينتهي بي المطاف لأفعل ما أنا فاعله الآن، ألا تريان أني مرتاح؟!! غادراه بعد أن أعطاهما درساً من دروس الحياة التي تعكس القناعة، وتساعد على حماية البيئة، وإعطاء الموارد الفرصة لتجديد نفسها، وللتكاثر بسرعة توازي الاستنزاف والاستهلاك، فلو فعل ذلك الأفريقي ما نُصح به، وفعله غيره، لربما انقرضت الأسماك من البحيرة، ولتجاوز الصيد حدود التعويض والإحلال.. إن السلوك الاستهلاكي الذي صدَّره الغرب إلى كثير من بقاع العالم، هو المسؤول عن تدهور البيئة واستنزاف الموارد، وتزايد الأطماع، والتسابق على جمع الثروات، لا لشيء إلا للجمع نفسه.. لقد كانت المجتمعات البسيطة تستهلك بقدر، وتتعامل مع الطبيعة بعقل وحكمة، كان الفلاحون والبدو عندما يذبحون الذبيحة يستفيدون من جميع أجزائها، فالجلد يستخدم قربة، أو وعاء لحفظ العسل، أو جاعداً يُفترش للجلوس عليه، وكان الصوف ينسج ليكون رداءً، أو فراشاً، أو بيت شعَر، وكان بعض العظام يُستغل في أشياء كثيرة، وكان الناس يستخدمون أدواتهم ما دامت صالحة للاستخدام، لم يكن الناس يهتمون بالمظاهر والتفاخر، أما مجتمعات اليوم فقد أصبحت مجتمعات مستهلكة، تقذف في البيئة بكثير من المخلفات، وتتفاخر في المراكب والملابس وأثاث المنازل، وتغيّرها من وقت لآخر دون حاجة.. إن تزايد الاستهلاك يُعتبر من أهم أسباب تدهور البيئة والإضرار بمكوناتها.

* فاكس : 012283689


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved