حينما يجتمع العيد والعفو، تزداد السعادة إشراقاً، وغصونها إيراقاً، وتصفو النفوس، وتطمئن القلوب.
العفو خُلُقٌ جميلٌ، وصفة جليلة، والعيد موسم عظيم، ومناسبة سعيدة، فإذا تصافحا أضاءا نفوسنا وأسعدا قلوبنا.
من هنا يكون العيد موسماً للصفاء عند الأسوياء، وفرصةً لوصل ما انقطع من حبال الود عند الكرماء.
حينما صدر الأمر الملكي من خادم الحرمين الشريفين - وفقه الله - عن الذين سلموا أنفسهم من المطلوبين بمناسبة العيد، كان صداه كبيراً، وأثره في النفوس جميلاً، وأضاف إلى الإحساس بجمال العيد وبهائه جمالاً وبهاءً، إن التسامح والعفو بين المسلمين طريق مهم من طرق الصلاح والإصلاح، وبوابة كبيرة يدخل منها المجتمع إلى بساتين السعادة والهناء، يريح النفوس، ويشيع روح الإحساس بالتقارب والتآلف، والأمن والأمان.
إنَّ العفو صفة جميلة لا تنتشر بين قوم إلا أسعدتهم، وملأت حياتهم استقراراً وحباً ووئاماً، يقول تعالى: (وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم) ويقول: (وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم) وقد نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق الذي كان ينفق على مسطح بن أثاثة فلما تكلم مع مَنْ تكلم في الإفك، أقسم أبو بكر رضي الله عنه ألا ينفق عليه أبداً، فنزلت هذه الآية الكريمة، فقال أبو بكر: بلى نحب أن يغفر الله لنا، وعاد إلى الإنفاق على مسطح.
هذا يكون العفو خلقاً إسلامياً عظيماً لا يغفل عن عظمته وأهميته إلا أصحاب القلوب المريضة، والنفوس الضعيفة، ويقول تعالى: (وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم)، ويقول: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) وقد امتدح الله سبحانه الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس.
العفو: خلق يستحق منا العناية به، ونشره بيننا وتقديره تقديراً كاملاً من المصيب والمخطئ، ممن يبذله ويستقبله، فهو من أجل صفات الفضلاء من البشر، وهو صفة من صفات الله عز وجل الذي يملك العفو كله ويدعو عباده إليه، ويحثهم عليه.
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم مثالاً للعفو عند المقدرة، والرحمة بالناس فهو صاحب أعظم كلمة قالها أحدٌ من البشر صاحب كلمة (اذهبوا فأنتم الطلقاء) يخاطب أعتى أعدائه وأشدهم عليه حينما انتصر عليهم وفتح مكة.
سُئِلَ الأحنف بن قيس: ما الإنسانية؟ قال: التواضع عند الرفعة، والعفو عند المقدرة، والعطاء بغير مِنَّة.
إننا لنشكر خادم الحرمين على إطلاق هذا الأمر المشرق بالعفو عمن سلم نفسه من المطلوبين، وندعو كل من يسير في ذلك الطريق أن يسلك هذه الطريق الموصِّلة إلى العفو والسلامة.
إن الأمة الإسلامية كلها تعيش مرحلة من أشد مراحل حياتها حرجاً في مواجهة الأعداء الذين تثبت التجارب يوماً بعد يوم أنهم أهل القسوة والعنف والإرهاب، وأهل المكابرة والطغيان، وأنهم يحتاجون إلى مواجهة جادة قوية من أمة متماسكة متمسكة بدينها الحنيف، ولهذا كان لزاماً علينا جميعاً أن نوحد الصف، ونقف على أرض صلبة من التآلف القائم على الإيمان بالله رب العالمين، وإنَّ العفو لصفة مهمة في تكوين هذه الأرض الصلبة التي نحتاج إلى الوقوف عليها.
إشارة:
عيدٌ سعيدٌ، وعفوٌ جميلٌ، جزى الله من عفا خيراً، ووفَّق من عُفِي عنه للخير.
|