* فلسطين المحتلة - الجزيرة:
في الوقت الذي أكدت فيه مصادر رسمية إسرائيلية أن، فاروق القدومي (أبو اللطف)، رئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية، ووزير خارجية دولة فلسطين، والذي عُين بعيد وفاة الرئيس الفلسطيني، ياسر عرفات، خلفاً له رئيساً لحركة التحرير الوطني الفلسطيني، (فتح) أنه يحمل أفكاراً متطرفة للغاية - متمسكاً بثوابت الرئيس الراحل، ياسر عرفات -، أعلن فاروق القدومي أنه مستعد لمفاوضات سلام مع إسرائيل، لكنه مستعد أيضا لاستئناف المقاومة في حالة فشل المفاوضات..
وتعرض هنا الجزيرة، نص الكلمة التي وجهها السيد، فاروق القدومي، أثناء تشييع جماهير الشعب الفلسطيني لجثمان سيد شهداء فلسطين، الرئيس القائد ياسر عرفات.. وهذا هو النص الحرفي:
{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} صدق الله العظيم إلى جماهير شعبنا في الوطن المحتل وفي الشتات: غيّبَ القدرُ رجلاً من أعظم الرجال ومضى فارسٌ من أجرأ الفرسان ؛ اختطف الموت قبل أيام أبا عمّار الذي قاد أطول ثورة في التاريخ المعاصر..
كان أبو عمّار قائداً مقداماً، قاتل بجرأة نادرة أعداء شعبه وأُمته.. في الفاتح من شهر كانون الثاني لعام 1965 أطلق أبو عمّار الرصاصة الأولى، إعلاناً بقيام ثورة جديدة من ثورات الشعب الفلسطيني المتلاحقة، وبدأت حينها مسيرتنا الشعبية لتدق بعنف أبواب الحرية والاستقلال.. لقد عشنا أيها الأخوة المواطنون سنوات طويلة في اللجوء والتشرّد وذقنا بؤس اللجوء والحرمان، ولكننا لم نيأس وبدأنا ثورة دامت حتى اليوم.. أربعين عاماً، قدمنا خلالها عشرات الآلاف من الشهداء الأبرار الذين رصفوا بدمائهم الزكية طريق العودة إلى فلسطين، أرض المقدسات.
واليوم يترجل فارس الفرسان من سلّم الحياة لينضم إلى قافلة الشهداء في الجنة مع الأنبياء والصديقين، ومع الرفاق المؤسسين لثورتنا المجيدة، إنها حقاً خسارة جسيمة، ولكن أبا عمّار خلّف وراءه أجيالاً متعاقبة رضعت لبن الثورة والمقاومة، وليس عجيباً فهو الذي قال: سيرفع شبلٌ من أشبالنا وزهرة من زهراتنا أعلام فلسطين على أسوار القدس ومآذن القدس وكنائس القدس.. نحن الذين أقسمنا القسم لأن نبقى على العهد في مسيرتنا ومقاومتنا المباركة حتى نقيم دولتنا الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس الشريف، وحتى يعود اللاجئون إلى ديارهم وأملاكهم التي أُخرجوا منها مهما طال الزمن..
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء: آمنا بالتعايش السلمي ورفعنا غصن الزيتون تعبيراً عن ذلك، ومع غصن الزيتون أمسكنا بالبندقية، ونطق بذلك الشهيد البطل الأخ أبو عمّار يوم أن وقف في الأمم المتحدة يردد هذا الشعار قائلاً: (لا تسقطوا غصن الزيتون من يدي)، ولكن عدونا الطامع هزأ بنا وبنوايانا الصادقة فاستمر يحتل أرضنا ويتباهى بقوته وجبروته متفاخراً بدعم أصدقائه في الإدارات الأمريكية.. رفض كل المبادرات السياسية التي قدّمها المجتمع الدولي على أساس قرارات الأمم المتحدة وتابع ممارساته البربرية في اغتيال المواطنين واعتقالهم، وامتدت يده المجرمة فاغتال رجال الأمن الفلسطيني واعتقل عدداً كبيراً منهم، وجرّد الآخرون من السلاح الذي سمحت الاتفاقات المعقودة بحمله.. تنكر الاحتلال لكل اتفاق وخان كل العهود وأحكم حصاره على الشعب الأعزل.. وتباطأ العالم، كل العالم، في أخذ موقف مادي صلب يردع حكام إسرائيل عن غيّهم.. قتلوا شبابنا وأطفالنا ونساءنا ولم يرحموا الرّضع منهم.. وفتكوا في مخيماتنا، وقصفوها اعتباطاً بالمدافع والدبابات والطائرات، وأخيراً كانوا سبباً في موت قائدنا ورمز نضالنا الأخ الرئيس أبو عمّار.. هم يعتقدون أنّنا سنفقد القوة والعزيمة والإرادة ونستسلم، فنقبل بما يعرضونه علينا من شروط قاسية ومذلّة إذا فقدنا بطلاً من أبطالنا ورائداً من روادنا الأوائل ممّن زرع في أجيالنا حب الشهادة والمقاومة والجهاد، قبل أن يمضي ويستشهد.. مررنا أثناء كفاحنا الطويل بمراحل قاسية تخلّلها العديد من المؤامرات وتنقلنا من بلد لآخر لعلّنا نتجنب الصدام مع غير أعدائنا، ودفعنا ثمناً باهظاً لذلك، واستقرّ بنا المقام في دول عربية متعددة بعيداً عن وطننا، فلم نيأس إلى أن قامت انتفاضتنا الأولى عام 1987 فاضطر أعداء ثورتنا أن يحاورونا فقبلنا الحوار، ولكن سرعان ما فشل..
كانت شروطهم غير مقبولة فتابعنا مسيرتنا المسلحة .. ولمّا قويت انتفاضتنا ساومونا مرة أخرى فقبلنا المبادرة السياسية عام 1991م، فكان مؤتمر مدريد للسلام وبدأت بعده المفاوضات مع العدو الإسرائيلي، فتوصلنا إلى اتفاق دخلت بموجبه طلائع ثورتنا الأولى، وَلو بشروط ظالمة، آملين أن نبدّلها ونصل إلى أفضل منها، لكن العدو الإسرائيلي أمعن في الغطرسة.. قام العدو الإسرائيلي خلال حكوماته المتعاقبة إلى التنكر لكل بند من بنود هذه الاتفاقية الظالمة، مبرراً ذلك أنها تمسّ أمنه.. حاولنا، ولم نفلح، لإثبات حسن النوايا والرغبة في السلام، ولكن حكام إسرائيل ظنوا أن حسن نوايانا ظاهرة ضعف واستسلام، فقدموا لنا عروضاً باطلة فرفضناها بإباء وشمم في كامب ديفيد.. وكانوا يقصدون بها ضمّ أجزاء من أرضنا وإخضاع مقدساتنا لسيطرتهم، وطالبونا بالتنازل عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم.. ثم جاء شارون مجرم الحرب، ليشن علينا حرباً مسعورة ظناً منه أن بإمكانه أن يجلب الأمن للإسرائيليين خلال مائة يوم ففشل في مسعاه.. وحتى يرضي الرأي العام الإسرائيلي وليحافظ على موقعه، قام بطرح مشروعه الأخير الذي سمّي بفك الارتباط المنفرد، منكراً وجود شريك فلسطيني ذاق منه الأمرّين، ولقنه دروساً قاسية ستجبره أخيراً على الخضوع لمنطق القدر والتاريخ..
أيهاالإخوة والأخوات الأعزاء: غاب بطلٌ من أبطالنا، ولكن إنجازه باقٍ وتوصياته عاملة بقدرة وكفاءة شعبية عارمة.. إنّنا في نفس الدرب سائرون دون تردد أو وجل، فالنصر حتماً لنا مهما طال الزمن.. والله مع الصابرين الصامدين .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
وتعرض هنا الجزيرة تقريراً أوفى عن شخصية و موقف الرجل (القدومي) الذي يعتبر من الشخصيات التاريخية المؤسسة لمنظمة التحرير، والذي قال لقناة المنار، الفضائية، التابعة لمنظمة حزب الله اللبناني: إن المقاومة هي سبيل الوصول إلى تسوية سياسية..
وأشار (أبو اللطف) بالقول: لا نقول إن بإمكاننا أن نهزم الجيش الإسرائيلي، لكن حددت هذه السياسة في منظمة التحرير عندما وقف الشهيد الأخ أبو عمار في الأمم المتحدة عام 1974، وقال أمسك بالبندقية بيد وغصن الزيتون بيد أخرى، ولا تسقطوا غصن الزيتون من يدي أي أنني على استعداد أن تكون هناك مفاوضات سياسية، ولكن إذا غابت هذه المفاوضات السياسية فنحن مستمرون في حمل البندقية وهذا أمر واضح.. وأكد القدومي: على العلاقات مع فصائل منظمة التحرير الفلسطينية يجب أن تكون علاقات حميمة، تضمن المشاركة في إطار واحد وفي اتخاذ قرار وفي التنفيذ..
وقال، فاروق القدومي في أحاديث صحافية وصلت الجزيرة: إن اجتماعات اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، التي كانت تتم داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، كانت تتعرض لأعمال تجسس واختراق صهيونية، فيما كان أعضاؤها يعانون من عدد من الضغوط الناجمة عن الأوضاع التي تحيط بهم.. ودعا القدومي إلى أن يجتمع أعضاء اللجنة التنفيذية في أجواء مريحة ونقية مطمئنين لكل ما يتخذ من قرارات..
مضيفاً أنه حان الوقت للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أن تجتمع خارج الأرض المحتلة للحفاظ على سرية عملها وقراراتها.. وتبتعد عن محاولات التجسس الإسرائيلية.. وشدد القدومي على ضرورة أن تشارك جميع فصائل المقاومة في اتخاذ القرارات السياسية حتى تعزيز الوحدة الوطنية في إطار قيادي موحد.. وعارض القدومي، الذي يعتبر من الشخصيات التاريخية المؤسسة لمنظمة التحرير، اتفاقات أوسلو عام 1994، الأمر الذي دفعه إلى عدم العودة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة.. وكان القدومي رئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية رفض في السابق اتفاقات السلام المؤقتة مع إسرائيل في 1994، ونتيجة لذلك لم يرجع مع عرفات إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، وبقي في المنفى في تونس.. ولم يعرف على الفور أن كان القدومي الذي اشترك مع عرفات في تأسيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) في 1965، قد يعود الآن إلى المناطق الفلسطينية بعد انتخابه رئيساً للحركة.. وفاروق القدومي المولود في الثامن عشر من آب من عام 1930 بمدينة يافا الفلسطينية، هو من القيادات الفلسطينية التاريخية، وهو من مؤسسي حركة فتح، وكان يعد في منزلة الرجل الثاني في هذه الحركة التي يعود لها إطلاق الرصاصة الأولى التي أعلنت عن ميلاد الثورة الفلسطينية المسلحة. ويحظى فاروق القدومي باحترام أعضاء فتح، وبقية الفصائل الفلسطينية الأخرى، حيث تعزز هذا الاحترام منذ أن أعلن رفضه القاطع لاتفاقيات أوسلو التي أدت إلى عودة عرفات إلى الأراضي المحتلة..
|