جلست ذات مساء أقلب صفحات الرسيفر غير مستقر - كعادتي - على قناة، باحثاً عما يستحق المشاهدة، وقد أفزعني ما آلت إليه بعض الفضائيات العربية من تسيب وانحلال، والتي جعلت من جسد المرأة أداة رخيصة للإعلان عن كل شيء وأي شيء، تلك الفضائيات التي تحولت من وسائل إعلام تساهم في تثقيف الناس وتنويرهم وتوعيتهم إلى حانات فضائية تخاطب الغرائز وتهدم الأخلاق وتغيب العقول، فكلما وقع اختياري على قناة أجد رقصاً خليعاً أو برنامجاً هابطاً يناقش موضوعاً تافهاً، وقد صادفني - غير ذات مرة - لقاء حواري تديره مذيعة ناعمة تتحدث بدلال ورقة ثم أكتشف بعد لحظات أنها شاب مائع محسوب - للأسف - على الرجال، وقد تحولت لغة القرآن في فمه إلى مسخ لغوي وخليط من الأغلاط الإملائية، فينطق القاف كافاً والصاد سيناً والراء غيناً وعندها أصابني القرف وترحمت على الرجولة المهدرة وأسرعت إلى قناة إخبارية فكنت كالمستجير من الرمضاء بالنار، وصدمتني مشاهد القتل والدماء وأحسست بالهوان، فأكملت رحلة البحث حتى رسوت على منافسات دورة أثينا الأولمبية فقررت متابعتها وأجبرني ما رأيت على الانتباه، وبقدر إعجابي بالأداء الرائع والمستوى الراقي والعيون التي تلمع ببريق التحدي والتنافس لشباب وفتيات العالم شرقاً وغرباً بقدر حزني على الفرق العربية وعلى النتائج الهزيلة والمستوى المتواضع لأغلب المشاركين العرب، ومع التقدير والاحترام لجهود مخلصة من البعض إلا أن نتائجهم لا تقارن بمن حصدوا الذهب ونافسوا على الصدارة واعتلوا منصات التتويج وصدح سلامهم الوطني وارتفعت أعلام بلادهم.
ومع ارتفاع تلك الأعلام انسالت دموع الأبطال الواقفين على المنصات ومعها انسابت دموعي، وشتان بين دموع هؤلاء التي سالت فرحاً وفخراً بإنجازاتهم وبين دموعي التي انهمرت حزناً على الأعلام العربية التي ظلت أغلب الوقت منكسة تشكو من خذلها، وهنا مللت المشاهدة وبررت من صدري آهة المكلوم وزفرة الغضوب وشعرت بالحسرة على شباب خير الأمم، وانتابتني رغبة ملحة فيمن يشاركني همومي ويبادلني الحوار والفضفضة فلم أجد سوى قلمي، رفيق الأزمات ذلك الكسول غالباً العبوس دائماً، وكان أن أمسكت به فصحاً متململاً بعد غفوة طويلة واعتدل مستقبلا السطور وبسمل وسألني.. خير؟ أنا: أفرغ بعض أفكاري. القلم: في الثالثة صباحاً،؟ أنا: الجميع على سهر. القلم: أنت وهذا الجميع على خطأ.. هات ما عندك. أنا: عندي ما يشغلني ويؤرقني. القلم: أو يستحق؟ أنا: في غاية الأهمية. القلم: كل من أمسك بي يظن أفكاره في غاية الأهمية.. اختصر. أنا: أحوالنا الرياضية. القلم: استمر أنا. الحصاد العربي في دورة أثينا. القلم: الشباب بذلوا جهدهم. أنا: العبرة بالنتائج. القلم: فماذا تقول في ابن آل مكتوم وهشام القروج وكرم جابر. أنا: أقول أسعدهم الله كما أسعدونا وأكثر من أمثالهم فقد ذقنا على أيديهم طعم الذهب ولكن أربع ذهبيات لثلاثمائة مليون عربي إنها حقاً قسمة ضيزى. القلم: أتبكي على اللبن المسكوب. أنا: بل أتمنى تجنب أخطاء أثينا وعيني على دورة بكين. القلم: أين أنت وأربع سنوات؟. أنا: وتلك من أعظم مصائب العرب فنحن نخطط لمائة يوم ويخطط الآخرون لمائة عام والأربع سنوات تكفي- بالكاد - لإعداد بعثة رياضة متكاملة قادرة - بإذن الله - على خوض المنافسات وحصد الذهب. القلم: وماذا تظنه يمنع. أنا: الكثير من السلبيات الفنية والإدارية وأمور عديدة نترك الخوض فيها لذوي الشأن وهم قادرون إن شاء الله عليها. القلم: أتظن نفسك منافساً في بكين؟ أنا: من حقي أن أحلم. القلم: الزبدة.. المفيد. أنا: الخطوة الأولى وزارة لكرة القدم. القلم: عفواً.. أعد. أنا: وزارة لكرة القدم في كل بلد عربي ولتبدأ المملكة. القلم: اقتراح مجنون وأراك من كوكب آخر. أنا: بل اقتراحي عين العقل وأنا من أبناء الأرض. القلم: أوضح أكثر. أنا: بإنشاء وزارة لكرة القدم في كل بلد عربي وتكوين قيادة جماعية لها كجامعة الدول العربية أو غيرها سنكسر قاعدة تقليد الآخرين وسيكون للعرب سبق وريادة دولية، وسيتبع خطانا أغلب دول العالم حيث عدد مشجعي كرة القدم يفوق نصف سكان الأرض، أيضاً فإنشاء وزارة لكرة القدم سيعطينا أولوية وفرصة أكبر عند طلب استضافة أي بطولة كبرى مثل كأس العالم أو الدورة الأولمبية أو غيرها وفيما يخص الأنشطة الرياضية الأخرى وبما أن كرة القدم مكلفة جدا فهي تلتهم أغلب ميزانيات الأندية للصرف على المحترفين وعلى الملاعب وغيره وللعلم فقد تم إلغاء أو تجميد معظم الألعاب الجماعية والفردية في الأندية من أجل عيون كرة القدم وبفصل كرة القدم عن باقي الألعاب - في وزارة مستقلة - ستجد كل لعبة الرصيد المالي الذي يكفيها للبقاء والاستمرار، وسيجد القائمون على تلك الألعاب ما يمكنهم من تنفيذ برامجهم التدريبية وتحقيق النتائج المرجوة داخلياً ودولياً فما رأيك؟. القلم: إنك تهاجم كرة القدم. أنا: لست مضطراً إلى حبها. القلم: إنها الساحرة الآسرة الباهرة. أنا: بل هي الخاسرة البائرة الجائرة. القلم: إنها معشوقة الجماهير ومصدر بهجتهم. أنا: لأن الأموال والأضواء والاهتمام والدلال لها وللاعبيها ومع كل هذا لم يحصل العرب جميعاً على ميدالية خشبية في كأس العالم منذ عرفنا كرة القدم فإلى متى تنحصر أمانينا في (شرف) المشاركة في كأس العالم ومتى سنفكر ونعمل للمنافسة وتحقيق الصدارة، وإلى متى إهمال الألعاب الفردية التي تحقق الذهب بأقل التكاليف ولا يجد أبطالها سوى الظل والفتات والتجاهل. القلم: ألا نغير الموضوع. أنا: بل أكمل. القلم: فضفض وخلصني. أنا: سمعت عن أحد الأندية دفع 5 ملايين ريال للاعب أجنبي مقابل مشاركته في مباراة واحدة ورئيس نادي عرض 9 ملايين دولار - 34 مليون ريال - لشراء عقد لاعب مصاب لمدة عامين. القلم: أنت لا تدري أن كرة القدم في العالم كله إلى بيزنس يعني ملايين تخرج وتدخل. أنا: بل أنت الذي لا يدري أن هناك صنفاً من الملايين تخرج فقط وتدفع في لاعبين أغلبهم عجائز أو مصابين أو مجرد أسماء لا تسمن ولا تغني من جوع، وكل ما يعنيهم من أمرنا الشيكات والقروش، وعند أول فرصة يختفي أحدهم ويذوب كما يذوب الثلج في حر الرياض. القلم: يا عزيزي إنها أرزاق ومن حكم في ماله فما ظلم. أنا: يا عزيزي إنه سفه وطيش يستحق وقفة حازمة لهؤلاء المبعثرين للأموال دون رقيب أو حسيب وأولئك السماسرة والمنتفعين الذين امتلأت جيوبهم بعد صفقات هي أقرب للنصب ثم أليس أبناء هذا البلد أولى بخيره؟..
وخلاصة القول إن تلك الملايين التي تنفق دون جدوى لو تم صرفها على الألعاب الفردية فسنضع أيدينا بإذن الله على الكثير من الذهبيات الأولمبية والقارية وأي منافسة على أي مستوى وليس أدل على قولي ما حققه فرسان المملكة في البطولة العربية بالجزائر وظهورهم بمستوى عالمي يتشرف به كل عربي، وأقسم صادقاً أن في هذا البلد خامات وكفاءات لو تجد الدعم الكافي لحققت نتائج أفضل مما نحلم ولرفعت اسم المملكة والعرب جميعاً أعلى مما ننظر، ومن لا يصدق فليذهب إلى اتحاد الكاريتيه وليسأل القليش فما قولك؟ القلم... صمت... أنا: ما رأيك.. صمت. أنا: يبو الشباب. القلم: تصبح على خير.
وسكتنا عن الكلام المباح فقد أدركنا الصباح.
|