Tuesday 16th November,200411737العددالثلاثاء 4 ,شوال 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

تفعيل الجوانب المسحية يقوِّي من الضبط الاجتماعي تفعيل الجوانب المسحية يقوِّي من الضبط الاجتماعي
محمد بن سعود الزويد / الرياض

لعل مبدأ القليل الدائم خير من الكثير المنقطع أو المتقطع، ويمثّل التعاطي مع مشكلة الفقر هاجس التحدي لخطط التنمية في كل بلدان العالم، ومما يزيد تعقيد المشكلة هو اقتران الفقر مع مستوى تعليمي متدن في حالات كثيرة، ولعل المشكلة تكمن في نزع الفقراء من المستوى المرضي عنه لديهم في جانب السؤال ومحاولة طلب الكفاف من المأكل والملبس واستدرار ما يعين على الحياة وتوفير متطلباتها دون المحاولة منهم لتغيير نمط حياتهم اليومي، ومن هنا فإن من أبرز أهداف التعامل مع الفقراء تهيئتهم كمجموعة لقبول التغيّر النمطي في المعيشة وما يترتب عليها من انعكاسات قد تصب بعضها في خانة الوزن الإضافي الزائد في ثقل الرفض أو التعامل السلبي مع التغيّر الذي ينشد مع عمليات النقلة الشاملة للفقراء والمعوزين (والمشكلة الاجتماعية الأخطر شأناً التي يواجهها العقل الإنساني في هذا القرن وبعد أن صار العالم يمثّل كلا متضامناً هي بدون شك مشكلة البلدان النامية التي يشكِّل سكانها حوالي ثلث سكان العالم، وتتلخص المشكلة في سؤال الجواب عنه صعب إلى حد صار معه متمنعاً في نظر بعضهم وهو كيف يمكن تعبئة القوى البشرية التي تتألف منها هذه البلدان بحيث تنتج ما تحتاجه على الأقل عوضاً عن أن تكون عالة على البشرية، ويزيد في تعقيد هذه المشكلة تزايد سكان هذه البلدان بنسب هائلة وتزايد حاجاتهم في الوقت ذاته) (1). والفقر اقتصادياً - قد يكون فقراً مستقراً بحيث إن ما يحصل عليه الفقير يكون في معدل شبه دائم ويتم صرفه في أوجه شبه دائمة وتحصل المشكلة عندما يبقى معدل الدخل مستقراً وتزيد معه الحاجات والمتطلبات المعيشية، وهنا قد يحصل تحول خطير في طريقة الحصول على الأكثر لسد الحاجة المتزايدة، فيتجاوز معدل البحث عن المزيد إلى خطوط حمراء مثل سلك السرقات والجريمة بمختلف أنواعها من القتل والاحتيال والغش ومخالفة الأنظمة للحصول على المال، بل قد يتعدى الأمر إلى الانخراط في سلك الجريمة المنظمة مثل جرائم المخدرات. من هنا فإن الفقر يتسع بمفهومه ليهدد استقرار الحياة الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية على حد سواء. والمعوق الأكبر في الفقر يكمن في تمنع عينة من الفقراء عن قبول التغيّر الذي يؤدي إلى مزيد من الاستقرار وسد الحاجة للحياة الكريمة المفترضة للإنسان؛ والسبب في ذلك رضاه عن معدل الدخل الذي يحصل عليه دون جهد كبير يبذله، كما أن مستوى تعليمه في حالة انخفاضه عن المستوى المطلوب لقبول التغيير قد يزيد في إعاقة نهوضه بدور جديد له في مجتمعه للخروج من دائرة الفقر. فقد لا يجد في تغيير نمط حياته ما يغريه لتغييرها والبقاء على مستوى حالة اقتصادية مع تقادم الزمن قد يعزز رفض التغيير وقبول الرأي في الانخراط في التعليم والتدريب والتأهيل لحياة أفضل. وفي مرحلة متقدِّمة قد يقبل الفقير الدخول في مجال تقديم الخدمة أو في مجال الإنتاج ولكن قد يتعرض لضغوط أو معوقات سواء على المستوى الاجتماعي أو النفسي أو الاقتصادي أو الصحي مما قد يعيق مواصلته في هذه المرحلة. ومن هنا فإن من أبرز ما يمكن أن يكون من الأهمية في التعامل مع الفقر هو - تعزيز جانب قوة الفرص البديلة للفقراء - وذلك من خلال جوانب مسحية تشمل المسح الصحي لكل مجموع من المعوزين والوقوف على حالته والكشف عن الأمراض المعدية والمستترة التي قد تسبب فيها المستوى المادي بحيث يمكن تلافي تعطل التوجه نحو الاستهداف في مجموعة من المجموعات التي تفرز وتعد للنقلة في الميدان الإنتاجي أو الخدمي لضمان استمرار أكبر عدد من كل مجموعة تحسباً لأي طارئ صحي أو عارض قد يعيق أو يؤثِّر على المجموعة المستهدفة أثناء تنفيذ الأعمال المنتقاة لهم كمشروعات خدمية أو إنتاجية. والمسح الاجتماعي ويتمثَّل في بحث التاريخ الاجتماعي لعائلة الفقير والتعرُّف على أوضاعهم من حيث مسؤولية المستهدف عنهم، والمسح الاقتصادي يشمل الحالة المادية ومستوى الدخل وهل هو متأت من عمل أو من عمليات التسول أو التبرعات أو الجهات الرسمية الاجتماعية، والمسح التعليمي ويشمل المستوى التعليمي للفئات المستهدفة ومن يقعون تحت رعاية المعوز، حيث يحدد المستوى التعليمي نوع البرنامج التأهيلي الذي سوف يتلقاه المستهدف ونوع الخدمة التي سوف توفر له سواء في المجال الخدمي أو الإنتاجي. (إن انتشار الفقر وعدم توفر فرص العمل وشيوع البطالة وانخفاض مستوى المعيشة وارتفاع أسعار السلع والخدمات إذا استمر لفترات طويلة سرعان ما يضعف أساليب الضبط الاجتماعي، فعندما يفقد أفراد المجتمع قدراتهم على إشباع حاجاتهم وعلى أداء أدوارهم وتحمل مسؤولياتهم تجاه أنفسهم أو من يعولون، يصبح النظام الاجتماعي العام موضع تساؤل عن مدى قدرته على تحقيق أهداف أفراد المجتمع) (2).
ولربما تبيّن سياسات الدعم الاجتماعي في البلدان النامية مع تزامن الثورة المعلوماتية وانحسار الخيارات المتوفرة في يد المخططين التنموية لربما تبيّن مدى الحاجة إلى إعادة هيكلة البناء التنموي للخطط الموجهة للفقر بحيث تتجاوز التسريع بتفعيل المقررات التي تدعو إلى استدماج الفئات المستهدفة في برامج الفقر المعوزة في برنامج تأهيلي تدريبي طويل الأمد إلى ما هو أكبر بحيث لا يتوقف عند توزيع الماء و الطعام، بل يتجاوزه بالنقل لهم من فئات معالة إلى فئات منتجة.

(1) القطاع الشعبي في مدن البلدان النامية. اس في سيذورمان ص 416
(2) صناعة الفقر رؤية نقدية - محروس خليفة - ص 25


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved