يمكن تعريف بعض ملامح الإنجاز التنموي لتعليم الكبار من خلال التحليل المقارن لخطط العمل الوطنية للتعليم للجميع في الدول العربية التي قدمت إلى المؤتمر العربي الإقليمي حول التعليم للجميع والمنعقد في بيروت 2004 وللوثوق بهذه الخطط وضعت مجموعة من المعايير، الأولى معايير سياسية تضمنت درجة الالتزام الحكومي بالخطة، والدعم الواضح لها والطابع التشاركي للمجتمع المدني، والثانية معايير فنية تشمل وجود رؤية استراتيجية مرتبطة باستراتيجيات التنمية الوطنية بما في ذلك استراتيجية الحد من الفقر لتأمين التنمية البشرية، اشارت إلى ذلك دراسة حول مؤشرات التنمية وخطط تعليم الكبار في الوطن العربي ومضت الدراسة إلى أن من الجوانب الايجابية في إعداد الخطط أنها استندت إلى تحليل الواقع التربوي باستثناء بعض الدول وان الخطط بلورت رؤية استراتيجية الا أن هذه الرؤية لم تضع التعليم في اطار خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية كما أنها لم ترتبط باستراتيجيات الحد من الفقر، كما أن هناك تصريحاً واضحاً بالأهداف والغايات الا انها لم تكن محدودة بمؤشرات يسهل قياسها كما ان الأهداف في بعض الخطط لا تتقاطع مع أهداف التعليم للجميع مما يضع هذه الخطط في مستوى أقرب إلى مفهوم الاستراتيجية وليس خطة عمل ولعل أبرز ما يشوب هذه الخطط وبرامج العمل أنها لم تتحول إلى خطط تنفيذية محددة الأنشطة وفق اطار زمني محدد، كما أن هذه الخطط لا تغطي المدة الكاملة لها. بالاضافة إلى أن معظم الخطط تفتقر إلى تقديرات تكلفة البرامج المقترحة وأنها لم تحدد مصادر التمويل مما يعكس عدم جدية تنفيذها. وذكرت الدراسة ان معظم الخطط الوطنية لم تشتمل على آليات واضحة للمراقبة والتقييم ولم تحدد مؤشرات الإنجاز وفق مراحل زمنية للحكم على مستوى التوجه نحو تحقيق الأهداف. ولقد ترتب على ما سبق بحسب الدراسة أن الأعداد المطلقة للأميين في الوطن العربي في زيادة مستمرة وتكفي الاشارة إلى ان 70 مليوناً من سكان الوطن العربي البالغ عددهم حوالي 280 مليون نسمة قد دخلوا القرن الحادي والعشرين وهم غير قادرين على ممارسة القرائية.
ووجود هذا العدد الكبير من الأميين في الوطن العربي يمثل أحد المعوقات الرئيسية للتنمية وقد ركزت الدراسة على أربعة محاور لإبراز الآثار السلبية للأمية على القيم الدينية المهنية والتكنولوجية، وصحة الفرد.
فالتنمية تمثل الوعد المتفائل لحياة أفضل ومن ثم يجب فهمها على أنها التقدم من خلال زيادة النوعية في جميع الأنشطة البشرية ولتحقيق النوعية المبتغاة يجب أن نصل إلى معرفة أفضل وإلى إنجازات في العلوم والآداب بمختلف أطيافها وألوانها وهذا يحتاج إلى نظام قيمي متقدم يتشابك مع المعرفة لتكوين الحكمة والتعليم بمفهومه الشامل هو القادر على دمج القيم المجتمعية مما يوفر المناخ المناسب لتحقيق التنمية.
ومن هنا فإن الأمية تمثل خطراً يهدد المجتمعات دينياً وثقافياً واجتماعياً فهي مؤشر قوي على وجود فئات محرومة تعليمياً وثقافياً فبدون القدر الملائم من التعليم يحرم الفرد من إمكانية إدارة ومعرفة اللحظة التي يعيش فيها مما يخلق قدراً كبيراً من الاغتراب الثقافي والمعرفي ومن ثم لا يستطيع الفرد فهم عصر ما يسمى بالعولمة وما يتضمنه من ثقافة العولمة وعولمة الثقافة.
وتحدد الدراسة ان الأمية الهجائية تعد من العوامل الرئيسية المسؤولة عن عدم وجود تجانس ثقافي بين أفراد المجتمع حيث يشمل المجتمع مجموعة مختلطة من المواطنين، الأولى لها مكانة مرموقة على المستوى العالمي، بينما الثانية ليس لديها الحد الأدنى من أساسيات المعرفة وهذه المجموعة وتلك تمثل لنا في النهاية مجموعة من الجزر الثقافية غير المتصلة ولكل منها مشاكله الخاصة به.
ومن ناحية أخرى فإن الأمية مسؤولة عن الايمان ببعض القيم السلبية حيث لا يمكن أن تسود قيم الطموح والحماس والمبادرة وروح المخاطرة التي تدفع إلى حب العمل والعلم بالاضافة إلى ان تدني المستوى التعليمي للمرأة في المجتمع يؤثر سلباً على طبيعة الحياة في الأسرة ثقافياً وتعليمياً واجتماعياً واقتصادياً ولهذا فإن محو الأمية ليس مجرد تعليم حروف وكلمات وأرقام والقيام بعمليات حسابية ولكنه تعليم وتعلم يهدف إلى تنمية وتطوير قدرات الفرد ومساعدته على تكوين مهارات جديدة حتى يتمكن من فهم واقعه برؤية نقدية يستطيع من خلالها التمييز بين المفيد والضار له في المجتمع، وعلى رب العالمين الاتكال.
|