الحفاظ على ترتيب البيت الفلسطيني

كل الشأن الفلسطيني تحت الضوء خصوصاً بعد غياب عرفات ، حيث تتركز الأضواء على الكيفية التي يجري بها تدبير الأمور بعد هذا الغياب الكبير ، وبينما أظهر الفلسطينيون حنكة في نقل المهام الرئيسة التي كان يتولاها عرفات إلى أسلافه من خلال عملية سلسة ، أظهرت أن البيت الداخلي كان في غاية الترتيب فإن ما جرى الليلة قبل الماضية في غزة من إطلاق للنار في وجود محمود عباس أبو مازن داخل خيمة للعزاء ، اظهر الحاجة الشديدة للتحلي بكامل اليقظة خصوصا في غزة التي مثلت في الآونة الأخيرة انفلاتا يهدد وحدة الصف الفلسطيني.
ومع ذلك لا يمكن تحميل الأمور فوق ما تحتمل ، فقد يكون ما جرى أمراً عرضياً أو تعبيراً عن موقف بوسائل متعجلة تفتقر إلى النضج ، غير أن كل خروج عما هو مألوف في ساحة لا تخلو من التوتر هو أمر يبعث على القلق ، مع رهان البعض - وخصوصا إسرائيل - بل وتمنياتها بانفراط عقد الوحدة الفلسطينية بعد رحيل عرفات. إن النجاح الذي تحقق في الانتقال المنظم للسلطة بعد عرفات ينبغي الحفاظ عليه ، بل والعض عليه بالنواجذ ، خصوصا وان أمام الفلسطينيين الانتخابات الرئاسية في التاسع من شهر يناير ، وينبغي أن تكون هذه الانتخابات الفيصل بين الخيارات وان تخضع الصراعات مهما كانت لقواعد اللعبة السياسية الديموقراطية المتمثلة في هذه الانتخابات ، وان لا يتم الانجراف إلى السلاح بهذه الطريقة التي حدثت في غزة ليل الأحد - الاثنين ، فالكل يعرف أن الساحة الفلسطينية هي ساحة نضال وحرب ، وان السلاح منتشر في كل مكان وان هذا الانتشار يمكن أن يقود للأسوأ ، إذا انفلتت الأوضاع وان الجميع سيكتوون بنيران أسلحتهم ، وهم المكتوون أصلا بنيران القمع الإسرائيلية صباح مساء.
إن قدراً كبيراً من الحكمة مطلوب ، وإلا فإن الأخطاء الصغيرة والسقطات بل والمؤامرات التي تدبرها إسرائيل كلها يمكن أن تحيل الساحة الفلسطينية إلى الصورة المثلى التي تتطلع إليها إسرائيل ، والتي تتحرق لحالة من الانفلات لتكريس احتلالها للأرض ، ولتقدم الدليل إلى العالم بان الفلسطينيين غير جديرين بحكم أنفسهم بأنفسهم.
ويبقى من المهم عدم الاستهانة بمثل هذه الحوادث ، لان حالة الانضباط التي رافقت انتقال السلطة سوف تتأثر سلبا مع وجود من يفكر بهذه الطريقة الفجة ، التي قد تطيح بكامل الإنجازات التي تمت حتى الآن ، فقد احترم العالم القيادات الفلسطينية وهي تتعالى على أحزانها وتقدم على شؤون الحكم بكل رباطة جأش ، كما أن هذا العالم سيقدر كثيرا أن يستمر هذا العمل بذات الصيغة الحكيمة ، فذلك يشجعه على تقديم العون لدعم استكمال العملية الديموقراطية المتمثلة في الانتخابات مادياً وسياسياً.