في شراسة الأحداث والعدوان اليهودي الأمريكي الصارخ على الشعب الفلسطيني بخاصة وعلى الأمة العربية والإسلامية بعامة.. نسي الشعب العربي في جميع البلاد العربية أول زعيم شبه رسمي للنضال الفلسطيني وهو الأستاذ أحمد الشقيري - رحمه الله.
صحيح أن الشقيري لم يعمر طويلاً في قيادة النضال، ولم يحقق كذلك نتيجة تذكر.. إلا أن من باب الإنصاف له أن لا تنسى قيادته لذلك النضال الذي كان سلمياً ومدنياً أكثر منه عسكرياً..
فالحق أن اللاحق لا يصح أن يَطمِس أو يُطمَس به حق السابق في أي مجال من مجالات الحياة الدينية أو السياسية أو الأدبية والثقافية أو الاجتماعية.. الخ.
والشيء المؤسف في دنيانا العربية عامة - الا فيما ندر - أن أي رائد في أي مجال حين يختفي من الساحة بالموت أو الصمت.. يُنسى وتنسى إنجازاته في غمرة الاهتمام بالحاضر والآني.. وهذه صفة ذميمة يجب أن تركز عليها الأنظار الواعية والعقول المستوعبة.. فتدرس الأسباب والعوامل المؤثرة في بروز هذه الظاهرة واستمراريتها في عالمنا العربي.. ومحاولة التقليل من سلبياتها ما أمكن ذلك.
***
لاشك أن أحمد الشقيري لم يعمل للقضية الفلسطينية معشار ما قام به وعمله الرئيس ياسر عرفات - رحمه الله - مع أن الأخير كان يأمل أن تقوم (الدولة الفلسطينية) في عهده وأن يكون هو المؤسس لهذه الدولة.. على غرار ما قام به (بن غوريون) في تأسيس وقيادة الدولة العبرية (المغتصبة) إلا أن عرفات كان محارباً ليس من اليهود وحدهم.. بل ان الموقف الأمريكي العدواني المساند لإسرائيل بكل سبل وأنواع المساندة والتأييد لأكبر مجرم متوحش هو ارئيل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي.. هو (الفارق) بين ما حققه بن غوريون - عليه من الله ما يستحقه - وما فشل في تحقيقه ياسر عرفات.
وإذا كان بن غوريون قد حقق حلم اليهود بوقوف الرئيس الأمريكي (ترومان، ورؤساء الدول الأوروبية، وبعض أصحاب المصالح الأخرى - إلى جانبه بالتصويت في مجلس الأمن لقيام الدولة اليهودية عام 1948م فإن البطش الامريكي وعداوتهم للعرب والإسلام وخاصة في عهد بوش الحالي.. حال دون أن يحقق عرفات حلمه الكبير.. لكنه زرع في شعبه الصمود العجيب في وجه القوة العسكرية الصهيونية الباطشة.. بحيث آمن الفلسطينيون أن ليس أمامهم خيار لتحقيق وقيام دولتهم على أرضهم بعاصمتها (القدس) سوى مواصلة الكفاح والنضال بالوسائل السلمية ما أمكن.. وإلا فبالوسائل المتاحة التي اعتمدتها الانتفاضة الثانية.
إذا لم يكن إلا الأسنة مركبا
فما حيلة المضطر إلا ركوبها |
***
الرئيس الرمز ياسر عرفات كان مثالاً للزعيم القوي العنيد الذي لم ينته عن مطالبه الحقة المشروعة لشعبه مع كل ما أصابه وما لحق به من ضغوط يهودية وأمريكية لا يتحملها إلا أولو العزم من الرجال وقد صبر وصابر ولكن إرادة الله غالبة {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} (سورة محمد).
إن الله جل وعلا يريد اختبار اخواننا الفلسطينيين واظهار الصادقين من الكاذبين في جهاد أعداء الله، وثمرة هذا الجهاد لم تنضج بعد.. ولابد من صبر ومصابرة أكثر وأكبر مما مضى..
ولعل مما يوحي بعدم نضوج الشعب الفلسطيني النضوج الكامل والمطلوب هو ما حدث قبل البارحة في قطاع غزة في خيمة التعزية التي نصبت لتقبل العزاء في الرئيس الراحل وقبول الرئيس المرشح لخلافته (أبو مازن) فهل يعقل أن شعباً ممتحناً ومضطهداً والقتل يستحِرُّ في صفوفه صباحاً ومساءً.. ومع ذلك يقتتلون فيما بينهم ويسفكون دماء إخوانهم وحماة أمنهم في ساحة التعزية..؟!
مثل هذا يستحيل أن يحدث بين الإسرائيليين مع ما بينهم من عداوات واختلافات.. فلماذا لا يعي إخواننا الفلسطينيون دقة الوضع الذي يحيط بهم؟ ويعوا أن مثل هذا الاقتتال الاجرامي فيما بينهم يصب في اهداف ومصلحة اليهود وأعوانهم..؟!
الرئيس ياسر عرفات مضى إلى جوار الله.. فهل يريد هؤلاء المتقاتلون أن يفلوا عزيمة شعبهم؟ ويوقعوا الخلافات التي تفرق صفوفهم وتضعف تماسكهم أمام من يحتل أرضهم ويدمر حياتهم..؟
إنها مأساة أن نرى ونسمع مثل هذه الحوادث التي وقعت كثيراً في الشهور والأعوام الماضية وها هي تقع اليوم! وكأن اخواننا قد فرغوا من تحرير وطنهم وحصلوا على دولتهم المنشودة.. فما عاد يهمهم سوى المنافسات الحزبية التي تحرك الأحقاد وتفجر الأضغان..
لا عاصم اليوم لفلسطين إلا التمسك والاعتصام بحبل الله المتين.. وتناسي كل ما يفرقهم أو يضعف تماسكهم أو يكسر شوكتهم أمام العدو الظالم. {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}.
|