أحيانا كثيرة، وفي مناسبات عدة ندعي أن فلانا شاذ وآخر سوي.. لا لشيء الا لأن احدهما سلك سلوكا معينا.. فإذا وافق ذلك السلوك معاييرنا وعاداتنا وتقاليدنا التي نسلو بهاونعيش بها ولاجلها ..قلنا إن صاحب هذا السلوك وسوي، أما اذا تعارض ذلك السلوك مع ما نسلم به من معايير اجتماعية وعادات وقيم أخلاقية قلنا: إن صاحب ذلك السلوك شاذ.. وسرعان ما نقابل سلوكه بالرفض والانكار فنتصرف معه بطريقة معينة إذا لم نفرض عليه شبه عزلة.. ولقد أردت في هذا المقام أن أبين مفهوم السواء والشذوذ على النحو الذي يمكننا من أن نضع خطا مهما كان فاصلا بين كلا المفهومين.
وعلى أية حال، فإن مفهوم السواء والشذوذ مفهوم نسبي يختلف من بيئة إلى أخرى، ومن مجتمع إلى آخر، ومن حضارة إلى أخرى، ومن زمن إلى زمان آخر.
ولعل - محك التمييز بين السوي والشاذ هو مدى الانحراف عن المعايير التي يتقبلها الإنسان.. ولا نستطيع القول: إن فلانا شاذ الا اذا كانت نسبة انحرافه عن تلك المعايير واضحة وبدرجة ملموسة.. فالمجتمع الذي ينتمي اليه الإنسان له معاييره، وهذه المعايير تفرض نفسها على كل من يعيش في ظلها.. ومن ثم فإن المجتمع لا يسمح بأي انحراف عن معاييره مهما كانت تلك المعايير.
ولما كانت تلك المعايير نسبية، أي تختلف من مجتمع إلى آخر، ومن حضارة إلى أخرى فإننا نستطيع القول: إنه في المجتمع العالمي أو في المجتمع الكلي الذي تختلط فيه أنماط الحضارة واتجاهات المجتمعات وعادات الأمم، نجد أن العادات والاتجاهات والأنماط التي تعتبرسوية في جماعة حضارية معينة قد تعتبر شاذة في جماعة حضارية أخرى، وأن ما كان يعتبر شاذا منذ جيل مضى أو منذ قرن مضى قد يقبله المجتمع اليوم، وهذا التعبير يكون بطيئا في بعض مجالات العلاقات الإنسانية وفي مجالات أخرى يكون سريعا جداً.
على أن هناك بعض المحطات التي تميز الشخصية السوية عن الشخصية الشاذة ومن هذه المحطات:
أن تكون عند الفرد درجة معقولة من تقويم الذات أو ما يسمى بالاستبصار: أي أن تكون لدى الفرد قدرة على توجيه ذاته توجيها سليما خاصة عند الشعور بارتكاب الخطأ أو الانحراف، وأن تكون للفرد أهداف واقعية في الحياة، أي يمكن تحقيقها بالنسبة لصاحبها، وأن تكون هذه الاهداف منسجمة مع واقعه التحصيلي ومواهبه وقدراته.
وأن يكون الفرد على اتصال فعال بالواقع يستطيع أن يؤثر فيه وأن يتأثر به وأن يتفاعل معه تفاعلا إيجابيا بكل قدراته ثم أن تكون للفرد شخصية متكاملة وثابتة لا شخصية مهزوزة تلعب بها الأهواء والنزوات كيفما تشاء.
هذه بعض المحطات التي تتعلق بناحية معينة من نواحي الشخصية السوية وهي صلتها بالمجتمع.. على أن هذه المحطات مهما كانت فإنها تضع مستويات نسبية، إذ ليس من المتوقع أن تكون الشخصية السوية نموذجاً كاملا في كل منها، فمن الممكن أن تكون تلك الشخصية متخلفة إلى حد ما في واحدة منها، أو في أكثر، ولكنه يتمتع بصحة عامة جيدة.. أي أنه يعتبرسويا، ولكن إذا كانت تلك الشخصية متخلفة في كثير من تلك الخصائص وفي خصائص أخرى تتعلق بنواح أخرى من نواحي الشخصية فإنه يعتبر في هذه الحالة شاذاً.
|