* تحقيق - عبدالرحمن إدريس :
ليلة العيد في جدة لها خصوصية مميزة في شدة الازدحام، والأسباب معروفة باختيارها محطة قدوم في المواسم السياحية، وحيث الاجازة التي بدأت في العشرين من شهر الصوم وتستمر مع عيد الفطر المبارك.
الاستعداد لاستقبال العيد بهذه الظاهرة الشرائية في تشكيلتها الحركية التي تحدد ملامح التغير في نمط الحياة، تعتبر نقلة الزمن بين موسم وآخر.. هكذا استقبلنا رمضان.. وبهذه الطريقة نستعد لوداعه.
الاختلاف هو فقط في اتجاهات التسوق بنشاط الاقبال على المجمعات التجارية والكبرى والأسواق لتأمين مستلزمات مناسبة أخرى لا يكون الاستعداد لها بغير انجراف الميول الى الشكليات من ملابس جديدة وأثاث وعطور وحلويات وهدايا.. ثم ويتراجع ذلك الاهتمام الرمضاني بحثا عن الأطعمة والمأكولات.
يبدو ان هذه الوقفة في تأمل المقارنة تفضي الى ما يعنى الطبيعة في التفكير التعاملي مع المشتروات فلكل موسم احتياجاته وهو من البديهيات في قراءة واجهة ازدحام الأسواق وان كان في جدة مع الليالي الأخيرة في وداع رمضان كان يمثل اختناق الأسواق بالسيارات والمتسوقين حتى النفس الأخير.
شوارع لا تتحمل ضغط الكثرة باعداد السيارات.. والأسواق بكثرتها وتعدد أغراضها هي كذلك غيرها في مواسم سابقة أمام اقبال غير مسبوق ولا يقارن بنفس الفترة مع اقتراب العيد في مواسم ماضية.
سوق قابل العتيق وسط المراكز التجارية الضخمة التي أحاطت المنطقة حوله لا يزال يعبق بنكهة الماضي وان تغيرت أحوال دكاكين الأرخص.. الازدحام هنا يختلف بعد اجراء توسعات تربطه في اتجاهات أخرى وبما يتيح التسوق للمشاة فقط.
الغالبية في وسط البلد من العمالة الوافدة فهي منطقة مبيعات الجملة اضافة لمساحات (التسكع) أو المشي والمطاعم والكافتيريا الشعبية ومصارف تغيير العملات الأجنبية ولقاءات ليالي رمضان من أفراد العمالة في أماكن متاحة بدون مزاحمة المواطنين من سكان جدة. ونحو المركز التجاري وسط مدينة جدة بدءاً بشارع الملك عبدالعزيز كانت حركة المرور حتى يوم أمس مضاعفة على غير العادة قبل أن نودع شهر رمضان بازدحام في المجمعات التجارية الكبرى التي توفر كل شيء تحت سقف واحد الى جانب جماليات المنطقة المشرفة على البحر والمجسمات والرصف والانارة بتميز غاية في الابداع مساهما في نقل الاحساس بالراحة والمتعة للمتسوقين.
الأطراف الأخرى من جدة وحيث المراكز التجارية والأسواق المختلفة لم تكن خارج هذه الظاهرة بالاقبال على التسوق وتأمين مستلزمات العيد والاجازة، والاهتمام المنافس هو الجزء الغربي من شارع الأمير محمد بن عبدالعزيز (التحلية) والذي يمثل واجهة مدينة تجارية أخرى من التقدم الحضاري بشكل يفوق شوارع أو مناطق لهذه الأغراض في المدن العالمية المعاصرة وبكل حداثتها وتطورها.
بنايات حديثة مصممة لتكون مجمعات تجارية وفقا لأرقى فنون العمارة ومعارض متخصصة تجمع الماركات العالمية في أنواع البضائع التي تعرض هنا متزامنة مع وجودها في باريس ولندن وغيرها من الدول الغربية.
وللتسوق في هذه المنطقة احساس آخر بقيمة المكان وجمالياته والذي يعتبر في عصرنا الحاضر ضرورة وأساس كما هو الشأن مع الدعاية والاعلان لتوفير عوامل الجذب.. أما بالنسبة للأسعار فمن الطبيعي الاختلاف الكبير والتفاوت الذي يرتبط حتما بمواقع الأسواق وديكورات المعارض.
وفي كل الأحوال فهي طبيعة أخرى للاستغلال التجاري الذي يمارس ليلة العيد وان كانت كل هذه المشاهد من الازدحام ومع كثرة البضائع والسمع في الأسواق لم تحقق الرواج المنتظر في النتيجة ذلك ان الوسيلة لدى الكثيرين محدودة منذ بداية شهر رمضان نتيجة شراء الأسهم والاكتتاب في شركة الاتصالات مما تأثرت به ميزانية الدخل وبالتالي المصروفات.
****
قبل ليلة العيد في جدة
(الجزيرة) في هذا الموضوع استطلعت جزءاً من الواجهة الاستقبالية لعيد الفطر المبارك وذلك من زاوية ظاهرة التسوق وكان الحديث عنها بوجهات نظر متفاوتة تعصرها في وجود عوامل نفسية لتنعكس مباشرة في انتظار الزود بالاحتياجات بشكل متأخر أي في ذروة الازدحام أو الرمق الأخير من الوقت عشية العيد.. ووجهات نظر أخرى تنظر الى ما يحدث كعشوائية في الشراء لابد ان تؤدي للاسراف الذي يؤدي نتيجة عدم تحديد المستلزمات الى أزمات مالية وتراكم الديون.
الملفت في الأسواق عموما هو تكوين الظاهرة في العنصر النسائي وهنالك من الأسباب أيضا ما قد يكون مقنعا في هذا الاندفاع الشرائي وربما لأنها تساهم في مجاراة الواقع باحساس قوي يعلن العيد في واجهات التصرف الشرائي ومن ثم الفرحة بقدومه.
ازدحام الأسواق بالنساء
الحوار أردناه في هذه المساحة بين أطراف المناقشة، ومع أكثر من امرأة تبرير ما يحدث بأنه شيء طبيعي ويجب التوعية في هذا الجانب في التبكير بشراء مستلزمات العيد كمثالٍ لأن الازدحام يكون على أشده وهنا لايجب النظر إليها كظاهرة سلبية وذلك لأن في الوقت متسعاً لتأمين الاحتياجات بشكل أسهل ولكنه جاء بالوقت الذي فيه الأزمة عشية العيد..
** (عبير مازن) إخصائية اجتماعية قالت إن ما يجب معرفته أو الاعتراف به ضمن المسلّمات والأمور البدهية: تأثر المرأة وعلاقتها بكل ما يتعلق بالشراء ولا يمكن تغيير هذه الطبيعة بسهولة فهي قبل رمضان تكتب قوائم المشتريات وتقوم بالتسوق لفترة من الأيام ثم تجد في نفسها إحساساً بالملل كما هو في المواد التموينية وبالتالي لايستغرب أن تندفع الآن نحو مستلزمات الإجازة والعيد، ومن وجهة نظري الشخصية كامرأة أعتقد أن المبرر غير كافٍ إذا قيل الاستفادة من قلة الحركة في الأسواق فهي مسألة تعود إلى تلك الطبيعة وتناميها بالإعلانات عن التخفيضات كمثالٍ أو ظهور جديد الملابس والأقمشة والبضائع.. في نفس الوقت لابد أن إحساساً ينتابها (وهي غريزة الأنثى) بأنها تسبق الأخريات في الحصول على نوعٍ من المعروضات التي ستنفد في الموسم.
* تضيف (عبير) إلى هذا التوصيف للموقف أن إضافة أيام أخرى للتسوق تنعكس على متعة المرأة بشكل خاص.. ومن تعتقد غير ذلك فهي ستجد نفسها أمام الأمر الواقع للذهاب إلى الأسواق حتى آخر ليلة من رمضان.
** (سلمى أحمد الحسيني) إخصائية اجتماعية أيضاً تضيف إلى ما سبق احتياج الظاهرة أو هذه السلبيات إذا اعتبرناها عشوائية وغير مخططة وموجهة.. احتياجها للتوعية التي تصل إلى أهداف محددة.. وتقول إننا مع الأسف في كثيرٍ من أمور معيشتنا لا نعير التوعية المستمرة الاهتمام المطلوب إضافة إلى كيفية الوصول بها إلى نجاح يعنى بتصويب الأخطاء أو تعديل السلوكيات. فمن الأمثلة ما يقال غريزة المرأة في حب الشراء والأفضل أن يقال فطرتها في حب الزينة والجمال، وكلتا الحالتين سوف تعني الإنفاق المالي وإسرافاً في غير محله مؤدياً لإهدار موارد مالية.. والمجال أوسع من الاختصار كما تطلب وأخلص إلى أن تغيير مثل هذه السلوكيات ممكن في دائرة محيطها ومحورها الارتقاء بثقافة التعامل مع الاحتياجات وللأسف أن أقول إن بينهن معلمات وجامعيات وموظفات ويشتركن في ميول طبائعية واحدة لأن التأثير والتأثر بالمحيط موجود.. ووسائط الإعلام لن تؤثر توعوياً بابتعادها عن طرق منهجية مدروسة وما يجب أن تعرف أن المرأة مع هذه الوسائل الاتصالية محدودة إلى المسلسلات والأفلام وفي القراءة لفضائح النجمات والمشاهير وهكذا!!
تحليل نفسي للظاهرة
** الدكتور أحمد عبداللطيف أستاذ الطب النفسي في جامعة القاهرة يشارك في حديثه ل(الجزيرة) بالحديث عن هذا الموضوع فيقول إنها مقبولة في العديد من الاعتبارات إذا تفهمنا الظروف المسببة لها وتلك الأسباب المؤدية إليها وبالتالي تختلف النظرة في اعتبارها إلى اتجاهين بين قبولٍ أو عدم ارتياح.
** فإذا كان تحليل الموقف للوصول إلى هذا الاندفاع للشراء وتسوق احتياجات موسم آخر فلابد أولاً أن نتذكر الاندفاع المماثل قبل أن يدخل شهر الصوم كمثال وإن كان ليلة العيد..
ومن هنا تكون العوامل النفسية المؤثرة في هذا الاتجاه وما يصاحبه من إقبال على الشراء الذي يصل عند الغالبية الى تجاوز المعقول وبدون تفكير فيما يمثل احتياجاً أو أشياء لا لزوم لها..
وهنالك أكثر من عامل يتدخل في تكوين هذه الطبيعة في السعودية ومصر أو غيرهما فقد أصبحنا فعلاً شعوباً مستهلكة لكل ما يُعرض في الأسواق..
** ومن هذه العوامل التأثر السلبي بشخصيات الآخرين من خلال تصرفاتهم فيكون التقليد مندفعاً إلى مجاراة الآخرين حتى في خصوصيات مشترياتهم وبمنافسة تظل محل الغرابة ويجب أن نضع المرأة في هذا المحور فهي في كل الأحوال.. أو غالباً: سيدة قرار الشراء وتعارفنا في مجتمعاتنا العربية وقبلنا أن تكون هي المسؤولة عن توفير الاحتياجات في المواسم وغيرها لعلاقتها المباشرة بكل شؤون الأسرة ومعرفتها باحتياجاتها.. وهذا لايمنع من عدم قدرتها الكاملة أو المتوازنة في وضع ميزانية للمشتريات فيترتب على ذلك تقليد جاراتها أو قريباتها في الشراء من المركز الفلاني أو تلك البضاعة.. ملابس وغيرها كالأثاث والحلي وهذه تقول إنها ذهبت لمعرض فساتين عندهم موديلات آخر صيحة وبكل تلقائية تندفع الأخريات إلى ذلك المعرض أو السوق وهكذا..
طبعاً سيأتي تشخيص الحالة من الجانب النفسي وفقاً لما يحدث بانعدام الشخصية الاستقلالية لدى الكثيرات في اتخاذ القرار الشرائي..يضاف إلى ذلك أن يكون هذا التقليد بدون احتياج ناهيك عن كونه في الاستمرار بهذا السلوك يؤدي إلى اعتمادية على الغير أن في اختيار الاحتياجات اللازمة أو بعشوائية وإسراف غير مبرر.. وفي كل ذلك هي مسائل نسبية بوجود من يتعامل مع متطلباته بشكل مناسب.
قد يكون وراء هذا الاندفاع تقليد بشكل آخر، فالوالدان يشعران بالمسؤولية تجاه أطفالهم بتوفير الاحتياجات لمناسبة سعيدة فيأتي التسابق حتى لايقال إنهم أقل من الآخرين..
المشكلة التي أحب التركيز على جانبها السلبي هي كما قلت تتبع خطوات الغير وتصرفاتهم وسلوكياتهم وبدون إدراك لمفهوم أو حقيقة أن لكل إنسان تفرده في الاتجاهات والقليل من التفكير في هذا الجانب نصل به إلى توعية قد تنهي هذا التفرد في الشخصية والاعتماد على النفس والثقة في قرارات تنبع من وعي التفكير العقلاني.
الأنماط الاستهلاكية
** أما العامل الثاني فهو تطبيع أفراد المجتمع عموماً بالنمط الاستهلاكي من خلال وسائل الدعاية والإعلان وما يصاحب المواسم من كثافة في الاتصاليات المختلفة بإعلان التخفيضات والجديد والأقل في السعر..
ولايمكن إغفال هذا التأثير ووسائله الإقناعية المدروسة بعناية فائقة فأنت أمام قنوات متعددة وأساليب قادرة على الجذب لسلعة معينة ويصل الحال إلى القناعة بأهميتها وإن كانت غير ضرورية ولا تمثل احتياجاً لديك.
الذكاء الإعلاني ينتهز فرصة أو مناسبة مثل رمضان والعيد كمثال فهو الشهر الكريم والجود والإنفاق أي زيادة المصروفات التي يفترض أن تكون لوجه الله تعالى وفي أوجه الخير.. فلابأس بالفهم السطحي لدى أغلبية من التساهل في المصاريف وإن تجاوزت الإيراد ضعفاً وأكثر، وفي المقابل يندر الالتزام بميزانية محددة فيكون تركيز الجذب الدعائي مباشراً أو بمعرفة هذا الظرف لتحقيق الإقبال على الشراء بتوفر سيولة جاهزة وكما يحدث قبل العيد بكثافة هذا الإقبال على استنزاف بقية الموارد المالية للأسرة.. هي باختصار قدرة فنون الدعاية التي تهيأت للتعامل مع الموسم وكثيراً ما تنجح في أهدافها مع إلحاح إعلاني تهاجمك من كل ناحية وبكل الطرق حتى تكون فريسة الشراء بدون تردد!!
الملل يصيب النساء
** يواصل الأستاذ الدكتور أحمد عبداللطيف الاستشاري النفسي بجدة فيقول: ومع المرأة في هذا الإقبال على الأسواق فهو جانب نفسي مهم قد يرتبط بطبيعة تعوّد لدى النساء في الاستجابة لرغبات الشراء تحت تأثير البحث عن الجديد والشعور الذي ينعكس عليها بارتياح وبهجة في استقبال موسم الفرح..
** ونعرفها- المرأة- في استعدادها لرمضان وإقبالها على توفير المستلزمات التموينية وإعداد المأكولات المتنوعة بتفرغ طارئ للمطبخ وإقبال إلى حد كبير من الإجهاد وبذل مجهود عضلي ونفسي.. وهو اختياري طبعاً... ومع ذلك يجب أن نقبل به لفترة محدودة فبعد انتهاء رمضان لن تستطيع المواصلة لأسباب معروفة..
وثانياً: انصرافها للمطبخ بهذه الهمة بمرور أيام محدودة انتهت: يصبح شيئاً عادياً لديها فيدب إلى نفسها الملل وجميعنا نشعر بالاختلاف.
فقد تكون المسألة مثل أشياء أخرى في حياة الإنسان عند الانتظار لحدث سعيد أو مناسبة قادمة وكذلك شراء ملابس جديدة أو سيارة فتكون لها في الإحساس بهجة تنعكس على النفس بالمتعة وبمرور الأيام تصبح عادية ومألوفة على غير ما كان ذلك الإحساس بداية.
ولا بد من أخذ الموضوع بهذه الطريقة فالإنسان ملول دائما ويتطلع للمتغير والجديد.. وما يحدث هذه الأيام شيء طبيعي أخذا بهذه القاعدة في معرفة الطبيعة البشرية للإنسان واستباق الزمن إلى العيد هو كذلك اتجاه تلقائي لكسر الملل الذي يأتي من النمط المتكرر في أشياء كثيرة وان كان الحال مع رمضان مختلف إلى حد كبير بالتجدد وهذه الأحاسيس الإيمانية المتجاوبة مع روحانية شهر العبادة ويكفي ان نأتي إلى الفرحة كل يوم مع الإفطار ونحن نشكر الله على نعمه التي لا تعد ولا تحصى ومما هو تطلع للرحمة والمغفرة والعتق من النار وكما قال سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام (للصائم فرحتان، فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه).
ميزانية مضاعفة ولا تكفي؟!
- الجانب الآخر كان مشاركة من الأزواج وطرق فكرة التسوق المبكر كما هو الحال في ظاهرة هذه الأيام.
الأغلبية على اتفاق تام بعدم جدوى الفكرة إضافة إلى كونها فكرة (خبيثة) من بعض الزوجات كما يرى (معتز الماجد) وفي التوضيح يقول عنها باستنزاف ميزانية الزوج أولاً بأول خاصة إذا كان من محبي أو مدمني السفر في الإجازات.
- يعترف (معتز) بتجاوزه لأزمة من هذا النوع فهو لا يكشف كل أوراقه للزوجة الثانية ومع هذا المرأة هي المرأة تظل إلى المحاولة نفسها بغريزة طبيعية تتوقع من خلالها أفضل الطرق لإيقاع الزوج في مصائد المشتريات على أساس أنها احتياجات والفكرة هنا بالشراء المبكر غير مختلفة وبكل تأكيد سيكتشف الجميع انها رغبة شراء وإنفاق وبدون الهدف الذي يعني توفير الاحتياجات قبل زحمة الأيام هذه الأخيرة من رمضان.
حزن الفراق للشهر الكريم
- (تركي الجعيد) رجل أعمال حديثه حول هذا الموضوع كان قريبا من تخصصه في التقنية الحديثة ولغة الإلكترونيات فقال إن مجتمعنا يظل في هذا الميل للاستهلاك وينفق كل إيراداته من رواتب وغيرها في رمضان أو غيره،
وبينما العالم من حولنا يتعولم ويتغبر في تحكيم العقل في أموره الاقتصادية. فنحن لم نصل بعد إلى مجاراة حداثة الأنماط السلوكية وحضارياً نحتاج إلى الكثير من الوقفات أمام ظواهر من هذا النوع وهي أقرب إلى الفوضى والعبث منها إلى تنظيم أمور حياتنا.
وهذه الحقيقة الماثلة تؤكد الظاهرة في ليلة العيد بشكل واضح والناس يشطحون بميولهم العاطفية إلى التسوق بحجة توفير مستلزمات إجازة العيد.
قد يعارضني في نقد هذه التصرفات من يشاء.. ولكنني أشعر بالدهشة لما يحدث من تزاحم في الأسواق وكأنها بضاعة محدودة يتسابق عليها الشارون قبل انتهائها.
ذلك يعني بالنسبة لي تفكير محدود أو نظرة في غير محلها على الأقل مقارنة بشعوب أخرى وصلت إلى مستوى متقدم من الوعي في طرق التعايش مع الحياة وتصريف الأمور.
لا أقصد هنا الجميع ولكن هذه الفئة وخاصة النساء (ينفلتون بدون لجام) إلى أي اتجاه.. وكثيراً ما واجهت في تعاملي مع لغة الإلكترونيات أسئلة عن التسوق بالإنترنت والنظرة إليه مستنكرة لأن مسألة التحديد لما تريد وتحتاج هو المرفوض مقارنة بالذهاب للأسواق وإنفاق كل ما في الجيب إضافة إلى عملية عشوائية في الشيء فليس هناك دراية كافية بجودة البضاعة والمخزون منها الذي لا يقاوم الزمن.. أيضا البحث عن الأرخص لأنه فقط أقل سعرا وهي معاناة حقيقية في سوء الفهم فهذه قابلة للتلف سريعاً وتكرر الشراء..
وبكل حزن أشعر ان ما يحدث أيضا هو نقل الإحساس في هذه الصور بشكل يوحي ان الشهر الفضيل قد انتهى وكان سريعاً في الانتهاء مع هذه الصور التي تعني وداع الضيف الكريم.
تأثير القدوة في السلوكيات
- (ديمة اليوسف) مشرفة تربوية تتداخل في الحوار في الجانب الخاص بالانفاق الأسري بشكل خاص في رمضان أو تأمين الاحتياجات للإجازة والأعياد.. فتقول الأستاذة ديمة ان هذه المشكلة متأصلة أو تكاد في التصرفات العامة لكبار العائلة فهم كقدوة يتركونها تنسل طبيعياً وتستمر وتكبر مع الناشئة فلا يحدث تغير نحو الإيجابية وربما العكس.
من هنا يجب النظر إليها كظاهرة مطلوبة للدراسة والبحث ووضع الخطط المناسبة لمعالجة سلبياتها والتي لا تنحصر في الإسراف بل الإنفاق العشوائي غير المبرمج والمرتبط بميزانية الدخل الشهري أو الموسمي.
الاعتراف باننا نقع تحت تأثير دوافع معينة وقد لا نكتشفها إلا بعد فوات الأوان هو أحد الطرق التي تحد من التهور الشرائي.
ومن الأمثلة -كما تقول- حالة الأسواق في هذه الليالي عند الذهاب للأسواق والسوبر ماركت والمتطلبات معروفة بتلك الرغبة المجهولة تجعل المعروضات أمام المرأة جميعها في قائمة ما يمكن ربطه بالعيد واحتياجاته.. لا ننسى هنا تأثير طرق العرض والإضاءة والديكورات وهو عامل جذب قوي كما تقول دراسات علمية في هذه الناحية. والذي أردت الوصول إليه هو نقل هذا السلوك الشرائي للبنات بشكل أساسي من خلال الأم فهي أكثر من قدوة إضافة إلى علمية نتائج دراسة تربوية حديثة تشير إلى اكتساب هذه العادات السلوكية وغيرها بشكل تلقائي لتصبح البنت نسخة مكررة من والدتها وليست هي عوامل وراثية بالضرورة في أي حال من الأحوال الأمر الذي تنتفي معه معلومات كانت إلى وجود العامل الوراثي في الطبيعة البشرية والوقوف عاجزين كما يعتقد في تغيير بعض الطبائع والسلوكيات فالمرأة المسرفة توفر هذه الطبيعة لبناتها تقليدا فقط والعكس.
- (علي يوسف الحجاج) يقول إن تأثير القدوة مباشر في كل مناحي الحياة ولذلك فان الدور التربوي من أجل تنشئة صالحة للأبناء يجب ان ينطلق من هذه الزاوية ونحن نستقبل العيد بحاجة إلى تغيير الكثير من الأنماط السلوكية منها السهر مع الفضائيات حتى الفجر والنوم نهاراً وقد يؤدي ذلك إلى ما يحدث من تذمر الدارسين من التناقص كحالة ملموسة والمثال قريب مع الذي ينصح أو يمنع أبناءه من التدخين وهو يمارس هذه العادة أمامهم.. وإذا استطاع أولياء الأمور في مجال الإنفاق تقنين المصروفات بكيفية تغطي الاحتياجات بترشيد ووضع خطة ورسم ميزانية محددة لذلك بالتزام فان هذه القدوة تنشأ مع الأبناء وتكون قاعدة لديهم في التصرفات وبالتالي عدم إعطاء فرصة للتفريط العشوائي في الإيرادات أو تجاوزها وما ينتج عنه من اضطراب.
وفي بعض الأحيان قد تنظر إلى المتسوقين فتحكم مباشرة على عدم الترشيد وهؤلاء غالبية من بين شرائح المجتمع. والدور التربوي تجاه الظاهرة لا يعني المدرسة بقدر ما هو البيت والأبوان لمعالجة مشكلة قائمة فعلا.أيضا لا يجب ان نستسلم للأمر الواقع بأنه صعب التغيير فالمحاولة خطوة في مشوار الألف ميل دائماً وإذا وجدت الرغبة في التخلص من عواقب هذه التصرفات فلن يكون التغيير مستحيلاً.
- (عبدالله الغامدي) يبدي الاستغراب من ظاهرة ازدحام الأسواق في الموسم الشرائي في ليالي العيد ويتحدث في نهاية مناقشة الموضوع بإشارة إلى اندفاع السكان في جدة منذ نهاية الأسبوع الأول من رمضان إلى التسوق..
يقول (أبو فهد).. ان كثرة المراكز التجارية وصلت لأن تكون واجهة الشوارع الرئيسية وفي كل الاتجاهات وما أعتقده ان الكثير منها وخاصة الجديدة تزدحم فعلا بالمتفرجين وليس بالمتسوقين ذلك لأن تجار المعارض يتعاملون بمنطق تعويض الإيجار المرتفع والخدمات بهذه المجتمعات والمراكز واستغلال مناسبة رمضان أيضا برفع الإيجار.. فإذا نظرنا إلى تفكير الناس نجدهم يترددون عليها للاستفادة من قضاء الوقت والتسلية فقط أما الشراء فهو المعرفة بالبدائل المتوفرة في أسواق أخرى كثيرة وبأسعار معقولة.
|