تنامت مساحة الرأي الصحافي في الشأن التربوي مع انطلاقة العام الدراسي الجديد بشكل كبير جدا، حيث تنوعت المشاركات الصحفية بين: المقالة والتحقيق والاستطلاع الصحفي والكاريكاتير.. معظمها تصب في الجانب النقدي تجاه القصور في استعدادات وزارة التربية والتعليم لبدء العام الجديد.
وإن كنت هنا لا أدافع عن الوزارة التي اعترفت بشجاعة على لسان معالي وزير التربية والتعليم د. محمد بن أحمد الرشيد بهذا القصور الأسبوع الماضي عندما أعلن معاليه عن تشكيل لجنة (تقصّي) مهمتها كشف الخلل ومحاسبة المقصرّين! إلا أني أريد أن أفكر بصوت عال من خلال منبر (الجزيرة) الصحيفة السعودية الرائدة، وأؤكد بأني أقدر للصحافة عملها المهني المتعلق باستطلاعات الرأي العام التي لا غبار عليها من حيث (المهنية) إلا أنني أتصور بأن بعض الصحف ركزت بشكل كبير على إبراز الجوانب السلبية فقط، حيث تبرز جوانب القصور في تجهيزات بعض المدارس (بنين وبنات) وتكتفي ببذر المعلومة التي تنمو وتتشكل في ذهنية القارئ بشكل مشوه، خاصة في ظل النشر الصحافي السلبي المكثف، دون الخوض في تفاصيل وأبعاد المشكلة، ولم أقرأ إلا ما ندر بعض المشاركات التي تتحدث - بجرأة - في مسببات ذلك، مع أنها على درجة عالية من الوضوح، وتحتاج فقط إلى ذلك الصحفي المتحمس النشط الذي يعري تلك النتائج ويظهرها إلى السطح ليطمئن القارئ - الذي هو ولي أمر لطالب أو طالبة - إلى أن ما حدث هذا العام كان استثناء.. له مبررات منطقية ومقبولة إلى حد بعيد.
ومن تلك المبررات التي أذكرها ها هنا وآمل القارئ العزيز أن يتفاعل معها ويكتب رأيه فيها بمنتهى الشفافية والصدق: تنفيذ الوزارة هذا العام عدة مشروعات استراتيجية مهمة نوعية في تاريخ التعليم ومنها: إدخال اللغة الإنجليزية في الصف السادس الابتدائي، وتعميم مشروع التقويم الشامل للبنات الذي قوبل بعاصفة من الترقب والتخوف في ظل اتجاه الوزارة نحو المحاسبية، وكذلك دمج الكتب والمناهج الدراسية (بنين وبنات) وتعميم مشروع اختبارات الكفايات للتربويين، وتوجهات الوزارة المتشددة بألا تقبل غير المؤهلين علميا وتربويا للعمل في سلك التعليم.. وغيرها من المشروعات التي لها - بدون شك - من يعارضه ولا يعترف حتى بالحوار حولها - خاصة مشروع اللغة الإنجليزية - لذا من الطبيعي أن نجد من يحاول أن يعطل تنفيذ تلك المشروعات من داخل الوزارة وخارجها! وهنا تأتي مسئولية الصحافة التي يجب ألا تكتفي بنشر المعلومة دون أن تمحصها وتورد شيئا من خلفياتها لتضع القارئ في الصورة العامة للموقف.
هذا من جانب، ومن جهة أخرى فقد لاحظت - من خلال متابعتي الدقيقة لمقالات الرأي - أن هناك ثلاثة أنواع من الرأي - على وجه التحديد.
النوع الأول من الرأي الصحافي هو الرأي الانطباعي الذي يتناول فيه الكاتب رؤية شخصية صرفة، عبر من خلالها عن مشكلة أو موقف شخصي، وبالتالي عمم نتائج تلك التجربة واعتبرها مشكلة عامة حتى لم يعد يرى في التعليم شيئا جميلا ابداً.
أما النوع الثاني من المقالات فهي المشاركات العامة من القراء التي نشم فيها رغبة القارئ والمشاركة لمجرد المشاركة، حيث لا تجد فكرة جديدة مثرية، أو قضية معينة يريد أن يوصلها الكاتب، فتضيع في سراديب العموميات التي قد لا تهدف إلا إلى مجرد التواجد الإعلامي، وليس هناك أسهل من التربية والتعليم للكتابة حولها.
وأخيرا النوع الثالث الذي يصدر من كتاب رأي لهم مساحات ثابتة في الصحف، وهذا النوع له تفريعات عدة، قد لا يتسع المجال لذكرها كلها إلا أن ما ينبغي الإشارة إليه أن الكاتب الذي مُنح زاوية ثابتة سواء كانت يومية أو أسبوعية عليها مسئولية كبرى فهو يقود الرأي العام بشكل مباشر وغير مباشر، وهناك كتاب رأي على درجة عالية من العلمية لا تملك أمام ما يكتبون إلا أن تقف احتراما لهم وتقديرا وإجلالا لأفكارهم، وهؤلاء يقومون بمانتوقعه منهم بكل حيادية وموضوعية، وهناك في المقابل كتاب آخرون يكتفون بما تصلهم من رسائل وشكاوى قد تكون كيدية أو صادرة من أناس ضد النجاح، أو أناس مؤدلجين بقوة في اتجاه معين لا يقبل غيره! أو من أشخاص متكاسلين غير أكفاء قد يظنون بأن تلك المشروعات قد تنال من مكانتهم الوظيفية في ظل استسلامهم للدعة والكسل والخمول.. كل هذه الاستنتاجات لا ينبغي أن تمر على الكاتب دون أن يمعن النظر بعلمية ومصداقية فيها قبل أن يصدر أحكامه.
أنا هنا أؤكد - مرة أخرى - بأن القصور في تجهيزات المدارس هذا العام نسبي إلى حد بعيد، ومع ذلك فالأمر يحتاج إلى معالجة جذرية من الوزارة التي لا تعمل بمعزل عن المجتمع ومؤسساته المختلفة، ومنها (وسائل الإعلام) التي تنقل الصورة مكتوبة ومرئية ومسموعة، وهي الصورة الكاملة غير المجتزأة!
وأعلم تماما بأن وزارة التربية والتعليم وعلى رأسها معالي وزير التربية والتعليم د. محمد بن أحمد الرشيد ومعالي نائبه لشئون تعليم البنات د. خضر القرشي ترحب بالرأي وتقدر للمتحاورين مشاركاتهم عبر كافة المنابر الإعلامية، شرط أن يكون ذلك الرأي علميا ومنطقيا ومبنيا على خلفيات متكاملة تأخذ في الاعتبار ما وراء الحدث أو ما وراء المشكلة.
فقد قدّر لي أن أشارك في لقاء تربوي حضره معالي الوزير بإدارة التربية والتعليم بالأحساء مؤخرا، وأحسست بما يحمله ذلك الرجل من هم ومسئولية جسيمة وحماسة غير محدودة للتطوير والتغيير والتحسين، وأدركت أنه يحاول أن يتحسس بلمسات التربوي والإداري والمسئول مواطن القوة والضعف في تعليمنا، وأنه ينتظر من يسانده ويشد على يده ويدعمه ليصل بالتعليم إلى ما نطمح إليه جميعا، وهو حق مشروع لنا جميعا، وعلى مديري التعليم أن يكونوا عند حسن الظن ومستوى المسئولية ومن لم يستطع منهم أن يتحمل حرارة المطبخ فليغادر مع موفور التحية والتقدير.
|