{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ } (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) [الأحزاب؛ الآية 23
*. القلب يحزن والعين تدمع وإنا على فراقك يا أبا عمار لمحزونون! يقولون: عيون الرجال لا تذرف الدموع!!
وأقول: بل تذرفها دموعاً حرّى تُلهب الوجنات.. حينما يكون الخطب غياب رجل بحجم أُمّة.. حينما يغيب أمير الفرسان وزعيم الشجعان السيد القائد والرمز الخالد الرئيس الهُمام ياسر عرفات! النبأ عظيم! والقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره!
عظم الله أجرك يا قلبي!.. عظم الله أجرك يا دمعي!
عظم الله أجركم يا أطفال فلسطين ويا أشبال فلسطين ويا رجالات فلسطين!
عظم الله أجركن يا زهرات فلسطين ويا نساء فلسطين!
عظم الله أجركم يا فلسطينيي الشتات في كافة الأرجاء!
عظم الله أجركم يا من تحملون بندقية التحرير في كافة الفصائل الفلسطينة وكلكم كما قال الرمز الخالد تصبون في (دُحْديرة) منظمة التحرير الفلسطينية!
عظم الله أجرك يا قدسنا الحبيب وأنت تفقد مَنْ قَبِلَ (في سبيلك) العزل والحصار ثم الاغتيال!
عظم الله أجرك يا حق العودة وأنت تفقد من فقد (دونك) حياته!
عظم الله أجرك يا بحر غزة!
عظم الله أجرك يا تراب فلسطين (كل فلسطين)؛ مدنها ومخيماتها وقراها وجبالها وسهولها ووديانها وشوارعها وأشجارها!
عظم الله أجر كل الشرفاء في أمتينا العربية والإسلامية!
عظم الله أجر كل إنسان سخّر حياته وشبابه وروحه ودماءه من أجل وطنه وحريته!
عظم الله أجر كل إنسان صامد لا يتنازل أبداً عن مبادئه وقيمه وحقوقه مَهْمَا واجه من تحديات وضغوطات! عظم الله أجرنا جميعاً وألهمنا الصبر على فراقك يا أبا عمار!
رحل أبو عمار.. رحل القائد الرمز.. رحل الزعيم الأسطورة!
رحل أبو عمار.. ولكنه لم يغِبْ.. بل بقي فكراً يُعلم الأجيال كيف يكون الجهاد والكفاح والنضال والتحدي والصمود.. وبقي سراجاً يضيء بنوره درب الحرية والتحرير.. وبقي تاريخاً يرفع الهامات عزة وشموخاً.. وبقي رمزاً يلتف حوله أبناؤه داخل فلسطين وخارجها.. وبقي إنجازاً يحكي مسيرة الأعوام الأربعين التي قضاها وهو يحمل بندقية التحرير الصاعقة وغصن السلام الأبي الشامخ!
رحل أبو عمار جسداً.. وبقي طيفاً يتربع في قلوب شعبه ومحبيه ويزين صدورهم وجباههم! رحل أبو عمار المعلم وأَشْهَدَ العالم كله أنه ما توانى لحظة من حياته في العمل من أجل فلسطين، ووضع بصمة لم يسبقه إليها أحد؛ فها هو جثمانه الطاهر يعمل من أجل فلسطين؛ ألهمه الله سبحانه وتعالى أن يطلب تلقي علاجه في باريس؛ عاصمة فرنسا وعاصمة القارة الأوروبية بأسرها، فاستقبلته استقبال الأبطال، ثم أمام العالم كله وعلى مسمعه يُعزف السلام الوطني الفلسطيني جنباً إلى جنب مع السلام الجمهوري الفرنسي، ثم يُلف بالعلم الفلسطيني ويُحمل على أكتاف شباب ثمانية لا يتكلمون لغته، ولا يدينون دينه، ولكنهم يؤمنون بعدالة قضيته؛ إنهم شباب فرنسا الذين أسجل لهم ومن قبلهم لرئيسهم الحُرّ عظيم تقديري واحترامي!
ثم في (مصر الحبيبة)؛ حاضرة العالمين العربي والإسلامي، يُحمل على أكتاف إخواننا وأحبائنا أبناء مصر الأشاوس ومشاعرهم تتفجر حزناً وقهراً وتنطق بأسمى معاني الأخوة الصادقة.. وفي اليوم التالي يُقام عرس الوداع الصامت الكبير برعايةٍ كريمةٍ يسجلها التاريخ بمداد من نور للسيد الرئيس حسني مبارك وعقيلته الفاضلة والشعب المصري العظيم؛ وهذا ليس بجديد على مصر (الأم الكبرى) التي احتضنت الشعب الفلسطيني وقدمت الغالي والنفيس من أجل قضيته العادلة، وفي مشهد مهيب يحضره النبلاء من زعماء الأمة يُسَجِّلُ جثمان الزعيم الرمز في سجل الشرف والعزة بصمة أخرى من أجل فلسطين.. وفي صمت يعذبه الحزن العميق ينتقل جثمانه الشريف ليوارى الثرى (مؤقتاً) في مقر المقاطعة في مدينة رام الله التي شهدت أجواءً تترجم بما لا يدع مجالاً للشك مكانة أبي عمار في نفوس شعبه بمختلف مشاربه.. وغداً بإذن الله سيُحمل جثمان أبي عمّار على رؤوس خريجي مدرسته الباقية وأكتافهم وسواعدهم إلى حيث أوصى؛ إلى القدس الشريف، وفي ذلك الحين لن تكون هنالك حواجز صهيونية حاقدة؛ لأن أشبال فلسطين وزهرات فلسطين سيكونون بعون الله قد حطموها وأزالوا آثارها من الوجود، ورفعوا العلم الفلسطيني فوق أسوار القدس ومآذنها وكنائسها وفي كل شبر من سماء فلسطين!
رحل أبو عمار وأبقى في ذاكرتنا رسْمَه وهمّتَه وصوتَه!
شاء من شاء وأبى من أبى دوّنت يا أبا عمار بالقول والعمل حقبة مضيئة من تاريخ قضيتنا الفلسطينية العادلة! شاء من شاء وأبى من أبى رسمت يا أبا عمار بصدق همتك معالم هويتنا الفلسطينية!
شاء من شاء وأبى من أبى وقفت يا أبا عمار طوداً شامخاً أمام العالم أجمع وبعزة وإباء، وبلسان صاحب الحق العادل، ألقيت عبارتك الخالدة: (أتيت إليكم حاملاً غصن الزيتون في يد وبندقية المقاتل من أجل الحرية في اليد الأخرى، فلا تدعوا غصن الزيتون يسقط من يدي)!
شاء من شاء وأبى من أبى لم تخضع يا أبا عمار لتهديدٍ أو ضغوطٍ أو حصار!
وها هو شعبك اليوم يا أبا عمار يؤكد العزم بحول الله وقوته (شاء من شاء وأبى من أبى) على أن يكون كله أبا عمار.. وأن يضع يده قريباً بإذن الله على لغز وفاتك.. وأن يبقى صفاً واحداً في وجه كل المخططات.. وأن يعمل بعون الله أولاً ثم بأنفاسك على بناء مؤسساته والانطلاق بعزم واقتدار نحو مواصلة مسيرة الجهاد والكفاح حتى تطهير فلسطين من دنس الصهيونية الغاشمة، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة الكاملة غير المنقوصة على تراب فلسطين؛ كل فلسطين، وإن غداً لناظره قريب! رحمك الله يا أبا عمار وأسكنك فسيح جناته وجمعنا بك في مستقر رحمته.
و(إنا لله وإنا إليه راجعون)
|