فظائع الفلوجة

يحمل المشهد المزري في الفلوجة على الكثير من الإحباط، ولا يبدو أن ثمة مخرجاً أو نهايةً لهذه المأساة إلا بالدمار التام لكل ما في المدينة ومن فيها، فأي بناءٍ قائم مشبوه بإيوائه لمقاتل ممن تبحث عنهم القوات الأمريكية، التي تنفذ عملياتها في المدينة تحت اسم الشبح الغاضب، ومن ثم فلابد من إزالته.
ومن الواضح أن الاسم الذي تم اختياره للعملية له إيحاءات تحمل كل سمات العنف بينما تستمر العملية التي بدأت في رمضان إلى أيام العيد دون مراعاة لما يتعلق بالمناسبتين من أجواء روحانية..الوتيرة التي تتم بها هذه العملية تعكس قدراً كبيراً من العنف، ويمكن أن يموت عددٌ كبيرٌ من المدنيين في سبيل القبض أو قتل أحد الذين تتعقبهم القوات الأمريكية أي أن المدنيين الأبرياء، الذين يشكلون معظم القتلى، لايتم حسابهم في الخسائر من وجهة نظر القوات الغازية للمدينة كما أن حجم الدمار الهائل يعكس من الجانب الآخر أن لا شيء يمكن أن يتم مراعاته في سبيل تنفيذ الأهداف حيث يشمل التدمير حتى المساجد التي تم إزالة القسم الأكبر منها..
ولم ينج من هذا القصف العنيف حتى النازحين من المدينة الذين أقاموا في خيام خارجها، حيث أفادت الأنباء بمقتل خمسة أشخاص من أسرة واحدة أثناء وجودهم في أحد معسكرات النزوح..
إذن فإن كل ما محظور متاح بكل يسر في معركة الفلوجة، وإذا كانت هذه الصورة ستتكرر في العشرين مدينة التي تقول القوات الأمريكية إنها ستسعى إلى إخضاعها فإن ذلك يعني أننا في بداية مجزرة واسعة النطاق للشعب العراقي وأن البروفات الدموية تتم على مسرح مدينة الفلوجة.
ولاشك أن ما جرى حتى الآن يكفي لشحن النفوس بالأحقاد وبالرغبة في الانتقام، لأن تجاوز قواعد الحرب يجعل من القوات الغازية أقرب إلى العصابات منها إلى الجيوش النظامية في غياب مراعاة الحرمات المرتبطة بالحروب.. كما أن ذلك يجعل من الصعب التعاطي مع ما يبشر به الأمريكيون من انتخابات لأن الوسيلة أو السبيل إلى مرحلة الانتخابات ملطخة بالدماء فضلاً عن أنها تنطوي على استفزاز شديد للمستهدفين بالانتخابات.
وعلى كلٍ فإن المتاح عن الأوضاع في الفلوجة هو القليل فقط، ويبدو أننا لم نر حتى الآن إلا قمة جبل الجليد، فهناك تعليمات واضحة بعدم اقتراب أجهزة الإعلام من ميدان هذه المذابح، ومع ذلك فإن القدر اليسير مما يتسرب عن أوضاع في المدينة يشير إلى جثث تنهشها الكلاب وعن جرحى ينزفون حتى الموت وعن مستشفيات تحت الحصار لاتتمكن من أداء وظائفها وعن جوعى يهيمون على وجوههم في أزقة المدينة المهجورة في معظمها.
غير أن المعروف يكفي للقول إن المدينة تشهد من الفظائع ما يشيب له الولدان وان عملاً سريعاً مطلوباً وبكل فاعليةٍ لإنقاذ هؤلاء البشر الذين يموتون دون ذنب ارتكبوه إلا وجودهم في هذه المدينة..