Monday 15th November,200411736العددالأثنين 3 ,شوال 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

الحبر الأخضر الحبر الأخضر
(عيدكم مبارك)
د. عثمان بن صالح العامر

هكذا صفحات الأيام تطوى.. وهكذا ساعات الزمن تنقضي.. قبل أيام معدودة مرت كلمح البصر استقبلنا حبيباً كنا أشد ما نكون شوقاً إليه، وبالأمس القريب ودعناه.. قبل أيام أهلَّ علينا هلال شهر الخير والبركات، وسرعان ما تصرّمت أيامه وانقضت لحظاته المفعمة بالروحانية والحيوية.. ولئن طويت تلك الليالي الخيرة وانسلخت تلك الأيام المباركة فهي في سجل الأعمال الخالد {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ}.. لقد شرع الله العيد في السنة الثانية من الهجرة النبوية الشريفة بديلاً عمَّا كان لأهل المدينة في جاهليتهم.. هو في حقيقته إعلان جماعي لانتصار الإرادة الذاتية في هذا الشهر المبارك.. إنه شعيرة من شعائر الإسلام العظام ومظهر من أجلّ مظاهره {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ }. وهذه المناسبة العزيزة على النفوس المحببة لبني الإنسان لها أسس ثلاثة تقوم عليها ولا يمكن غض الطرف عن أي منها أو التقليل من شأنه.. أولها الأساس الروحاني المتمثل ببعض الشعائر التعبدية المرتبطة بهذه المناسبة من تكبير وتهليل وذكر لله عز وجل يبدأ منذ لحظة الإعلان عن نهاية هذا الشهر الفضيل.. وصدقة الفطر الواجبة على الصغير والكبير الذكر والأنثى.. وصلاة خاصة تسمى صلاة العيد يخرج لها الرجال والنساء حتى العواتق والحيّض كما في حديث أم عطية رضي الله عنها..
وثانيها الأساس النفسي الذاتي والذي يتحقق إشباعه في هذه المناسبة بالذات باللعب والتجمل والفرح معا.. (للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه).. إن الإسلام يطالبنا بأن نبرز جوهره التفاؤلي المستبشر أيام العيد التي نعيشها حتى هذه اللحظات المباركة السعيدة في مظهر من الزينة والجمال وفي جو من المتعة والرفاهية الحلال من غير إسراف يشوه كماله ولا مخيلة تقلبه إلى ضده.. أيام العيد هذه أيام أكل وشرب.. أيام أخذ الزينة والتجمل.. أيام لهو وترويح عن النفس ولعب مباح كما نص على ذلك حديث أنس رضي الله عنه والذي رواه النسائي وابن حبان بسند صحيح.. وكما ورد عن عائشة رضي الله عنها من (أن أهل الحبشة كانوا يلعبون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عيد فاطلعت من فوق عاتقه فطأطأ لي منكبيه فجعلت أنظر إليهم من فوق عاتقه حتى شبعت ثم انصرفت) رواه الشيخان.. وعنها رضي الله عنها قالت دخل عليَّ أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث... فقال أبو بكر: أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وذلك يوم عيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا أبا بكر، إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا) رواه الشيخان.
أما الأساس الثالث والأخير فهو المعنى الاجتماعي الذي به تتوحد المشاعر كما توحدت الشعائر.. يلتقي الجميع على الود والمحبة والوفاء.. يبادل بعضهم بعضا المعايدة والتهنئة بهذه المناسبة..إن العيد فرصة سانحة لتجديد العهد مع الرحم التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم (الرحم متعلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله) متفق عليه.. إنه فرصة جيدة لإزالة ما في النفوس من ضغائن وأحقاد (وخيرهما الذي يبدأ بالسلام).. إن هذا البعد الذي يحمل في طياته أعمق دلالات المعنى الإنساني في خريطة التعامل الحياتي الآني والذي يبدأ من دائرة الكيان الأسري الصغير مهما كبر ثم الحي الذي يسكنه الواحد منا ويتسع هذا البعد باتساع دائرة انتماء الإنسان وكثرة علاقاته وتنوع صداقاته ومعارفه وقدرته على زيارة ولاة الأمر والعلماء والأقارب والأصدقاء وأهل الفضل والعطاء وكبار السن والمساجين والمرضى والأيتام في أيام العيد.. إن هذا البعد هو من الأهمية بمكان في هذه المناسبة العالمية التي يشترك فيها المسلمون جميعا ولذا فهو حري بأن يلقى منا على قدم المساواة الرعاية والاهتمام وتربى عليه الأجيال.. ومن هذا المنبر أبارك للجميع وعلى رأسهم قيادة وطننا الغالي المملكة العربية السعودية -حفظهم الله ورعاهم- أبارك لهم هذه المناسبة (حلول عيد الفطر المبارك).. وأسأل الله أن يجعل عيدنا سعيدا وأن يعيده علينا ونحن نرفل بثوب الأمن والأمان .. وكل عام وأنتم بخير..


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved